والحكم المعلل هو الوجوب ، ونحن نطالبكم بتفهيم الحكم فلا يعنيكم ذكر العلة ؛ فما معنى قولكم إنه يجب لفائدة الخلق وما معنى الوجوب ونحن لا نفهم من الوجوب إلا المعاني الثلاثة ، وهي منعدمة ، فإن أردتم معنى رابعا ففسروه أولا ثم اذكروا علته ، فإنا ربما لا ننكر أن للخلق في الخلق فائدة ، وكذا في التكليف ، ولكن ما فيه فائدة غيره لم يجب عليه إذا لم يكن له فائدة في فائدة غيره. وهذا لا مخرج عنه أبدا. على أنا نقول انما يستقيم هذا الكلام في الخلق لا في التكليف ، ولا يستقيم في هذا الخلق الموجود بل في ان يخلقهم في الجنة متنعمين ، من غيرهم وضرر وغم وألم ، وأما هذا الخلق الموجود فالعقلاء كلهم قد تمنوا العدم ، وقال بعضهم : ليتني كنت نسيا منسيا ، وقال آخر ليتني لم أك شيئا ، وقال آخر ليتني كنت تبنة رفعها من الأرض ، قال آخر يشير إلى طائر ليتني كنت ذلك الطائر ، وهذا قول الأنبياء والأولياء وهم العقلاء ، فبعضهم يتمنى عدم الخلق وبعضهم يتمنى عدم التكليف بأن يكون جمادا أو طائرا ، فليت شعري كيف يستجيز العاقل في أن يقول : للخلق في التكليف فائدة وانما معنى الفائدة نفي الكلفة ، والتكليف في عينه إلزام كلفة وهو ألم ، وإن نظر إلى الثواب فهو الفائدة ، وكان قادرا على ايصاله إليهم بغير تكليف. فإن قيل : الثواب إذا كان باستحقاق كان ألذ وأوقع من أن يكون بالامتنان والابتداء ، والجواب : أن الاستعاذة بالله تعالى من عقل ينتهي إلى التكبر على الله عزوجل والترفع من احتمال منته وتقدير اللذة في الخروج من نعمته أولى من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ؛ وليت شعري كيف يعد من العقلاء من يخطر بباله مثل هذه الوساوس ، ومن يستثقل المقام أبد الآباد في الجنة من غير تقدم تعب وتكليف أخس من أن يناظر أو يخاطب ، هذا لو سلم أن الثواب بعد التكليف يكون مستحقا ، وسنبين نقيضه ، ثم ليت شعري الطاعة التي بها يستحق الثواب من أين وجدها العبد؟ وهل لها سبب سوى وجوده وقدرته وإرادته وصحة أعضائه وحضور