فإن كلامنا في حق الله تعالى ، وذلك باطل في حقه لتنزهه عن الأغراض ورجوع ذلك إلى الأغراض ، أما الانسان العاقل المضبوط بغالب الأمر فقد يستقبح ذلك وليس ما يستقبح من العبد يستقبح من الله تعالى ، فإن قيل : فهو مما لا فائدة فيه وما لا فائدة فيه فهو عبث والعبث على الله تعالى محال. قلنا : هذه ثلاث دعاوى :
الأولى : إنه لا فائدة فيه ، ولا نسلم ، فلعل فيه فائدة لعباد اطلع الله عليها ، وليست الفائدة هي الامتثال والثواب عليه بل ربما يكون في إظهار الأمر وما يتبعه من اعتقاد التكليف فائدة ، فقد ينسخ الأمر قبل الامتثال كما أمر ابراهيم عليهالسلام بذبح ولده ثم نسخه قبل الامتثال ، وأمر أبا جهل بالايمان وأخبر أنه لا يؤمن وخلاف خبره محال.
الدعوى الثانية : إن ما لا فائدة فيه فهو عبث ، فهذا تكرير عبارة ؛ فإنا بينا أنه لا يراد بالعبث إلا ما لا فائدة فيه فإن أريد به غيره فهو غير مفهوم.
الدعوى الثالثة : إن العبث على الله تعالى محال ، وهذا فيه تلبيس ، لأن لأن العبث عبارة عن فعل لا فائدة فيه ممن يتعرض للفوائد ، فمن لا يتعرض لها فتسميته عابثا مجاز محض لا حقيقة له يضاهي قول القائل الريح عابثة بتحريكها الأشجار إذ لا فائدة لها فيه ، ويضاهي قول القائل الجدار غافل أي هو خال عن العلم والجهل وهذا باطل لأن الغافل يطلق على القابل للجهل والعلم إذا خلا عنهما ، فاطلاقهما على الذي لا يقبل العلم مجاز لا أصل له ، وكذلك اطلاق اسم العابث على الله تعالى واطلاق العبث على افعاله سبحانه وتعالى ، والدليل الثاني في المسألة ، ولا محيص لأحد عنه ، أن الله تعالى كلف أبا جهل أن يؤمن وعلم أنه لا يؤمن ، وأخبر عنه بأنه لا يؤمن ، فكأنه أمر بأن يؤمن بأنه لا يؤمن ، إذ كان من قول الرسول صلىاللهعليهوسلم إنه لا يؤمن وكان هو مأمورا بتصديقه ، فقد قيل له صدق بأنك لا تصدق ، وهذا محال ، وتحقيقه أن خلاف المعلوم محال وقوعه ولكن ليس محالا لذاته ،