بأنه مستقذر ، بل في الطبع ما هو أعظم من هذا فإن الأسامي التي تطلق عليها الهنود والزنوج لما كان يقترن بها قبح المسمى به يؤثر في الطبع ويبلغ إلى حدّ لو سمى به أجمل الأتراك والروم لنفر الطبع عنه ، لأنه ادرك الوهم القبيح مقرونا بهذا الاسم فيحكم بالعكس ، فإذا أدرك الاسم حكم بالقبح على المسمى ونفر الطبع. وهذا مع وضوحه للعقل فلا ينبغي أن يغفل عنه لأن إقدام الخلق وإحجامهم في أقوالهم وعقائدهم وأفعالهم تابع لمثل هذه الأوهام. وأما اتّباع العقل الصرف فلا يقوى عليه إلا أولياء الله تعالى الذين أراهم الله الحق حقا وقواهم على اتباعه ، وان اردت ان تجرب هذا في الاعتقادات فأورد على فهم العامي المعتزلي مسألة معقولة جلية فيسارع إلى قبولها ، فلو قلت له إنه مذهب الأشعري رضي الله عنه لنفر وامتنع عن القبول وانقلب مكذبا بعين ما صدق به مهما كان سيئ الظن بالأشعري ، إذ كان قبح ذلك في نفسه منذ الصبا ، وكذلك تقرر أمرا معقولا عند العامي الأشعري ثم تقول له إن هذا قول المعتزلي فينفر عن قبوله بعد التصديق ويعود لى التكذيب ، ولست أقول هذا طبع العوام بل طبع اكثر من رأيته من المتوسمين باسم العلم ؛ فإنهم لم يفارقوا العوام في أصل التقليد بل أضافوا الى تقليد المذهب تقليد الدليل فهم في نظرهم لا يطلبون الحق بل يطلبون طريق الحيلة في نصرة ما اعتقدوه حقا بالسماع والتقليد ، فان صادفوا في نظرهم ما يؤكد عقائدهم قالوا قد ظفرنا بالدليل ، وإن ظهر لهم ما يضعف مذهبهم قالوا قد عرضت لنا شبهة ، فيضعون الاعتقاد المتلقف بالتقليد أصلا وينبزون بالشبهة كل ما يخالفه ، وبالدليل كلى ما يوافقه ، وانما الحق ضده ؛ وهو أن لا يعتقد شيئا أصلا وينظر إلى الدليل ويسمي مقتضاه حقا ونقيضه باطلا وكل ذلك منشؤه الاستحسان والاستقباح بتقديم الإلفة والتخلق بأخلاق منذ الصبا ، فإذا وقفت على هذه المثارات سهل عليك دفع الاشكالات. فان قيل : فقد رجع كلامكم إلى ان الحسن والقبيح يرجعان إلى الموافقة والمخالفة للاغراض ، ونحن نرى العاقل يستحسن ما لا فائدة