الاستقباح ولكنه مخطئ في حكمه بالقبح على الاطلاق ؛ وفي إضافة القبح إلى ذات الشيء ومنشؤه غفلته عن الالتفات إلى غيره ، بل عن الالتفات إلى بعض أحوال نفسه ، فإنه قد يستحسن في بعض أحواله غير ما يستقبحه مهما انقلب موافقا لغرضه.
الغلطة الثانية فيه : أن ما هو مخالف للأغراض في جميع الأحوال إلا في حالة نادرة ، فقد يحكم الإنسان عليه مطلقا بأنه قبيح لذهوله عن الحالة النادرة ورسوخ غالب الأحوال في نفسه واستيلائه على ذكره ، فيقضي مثلا على الكذب بأنه قبيح مطلقا في كل حال وأن قبحه لأنه كذب لذاته فقط لا لمعنى زائد ، وسبب ذلك غفلته عن ارتباط مصالح كثيرة بالكذب في بعض الأحوال ، ولكن لو وقعت تلك الحالة ربما نفر طبعه عن استحسان الكذب لكثرة إلفه باستقباحه ، وذلك لأن الطبع ينفر عنه من أول الصبا بطريق التأديب والاستصلاح ، ويلقي إليه أن الكذب قبيح في نفسه وأنه لا ينبغي أن يكذب قط ، فهو قبيح ولكن بشرط يلازمه في أكثر الأوقات وإنما يقع نادرا ، فلذلك لا ينبه على ذلك الشرط ويغرس في طبعه قبحه والتنفير عنه مطلقا.
الغلطة الثالثة : سبق الوهم إلى العكس ، فإن ما رئي مقرونا بالشيء يظن أن الشيء أيضا لا محالة يكون مقرونا به مطلقا ولا يدري أن الأخص أبدا يكون مقرونا بالأعم ، وأما الأعم فلا يلزم أن يكون مقرونا بالأخص. ومثاله ما يقال من أن السليم ، أعني الذي نهشته الحية ، يخاف من الحبل المبرقش اللون ، وهو كما قيل ، وسببه أنه أدرك المؤذي وهو متصور بصورة حبل مبرقش ، فاذا أدرك الحبل سبق الوهم إلى العكس وحكم بأنه مؤذ فينفر الطبع تابعا للوهم والخيال وإن كان العقل مكذبا به ، بل الانسان قد ينفر عن أكل الخبيص الأصفر لشبهه بالعذرة ، فيكاد يتقيأ عند قول القائل إنه عذرة ، يتعذر عليه تناوله مع كون العقل مكذبا به ، وذلك لسبق الوهم إلى العكس فإنه أدرك المستقذر رطبا أصفر فإذا رأى الرطب الأصفر حكم