الحسن أيضا ثلاثة : فقائل يطلقه على كل ما يوافق الغرض عاجلا كان او آجلا ؛ وقائل يخصص بما يوافق الغرض في الآخر وهو الذي حسنه الشرع أي حث عليه ووعد بالثواب عليه وهو اصطلاح أصحابنا ، والقبيح عند كل فريق ما يقابل الحسن ، فالأول أعم وهذا أخص ، وبهذا الاصطلاح قد يسمي بعض من لا يتحاشى فعل الله تعالى قبيحا إذ كان لا يوافق غرضهم ، ولذلك تراهم يسبون الفلك والدهر ويقولون خرف الفلك وما أقبح أفعاله ويعلمون ان الفاعل خالق الفلك ؛ ولذلك قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا تسبوا الدهر ، فإن الله هو الدهر (١) ؛ وفيه اصطلاح ثالث إذ قد يقال فعل الله تعالى حسن كيف كان مع انه لا غرض في حقه ؛ ويكون معناه أنه لا تبعة عليه فيه ولا لائمة وأنه فاعل في ملكه الذي لا يساهم فيه ما يشاء ، وأما الحكمة فتطلق على معنيين : أحدهما الاحاطة المجردة بنظم الأمور ومعانيها الدقيقة والجليلة والحكم عليها بأنها كيف ينبغي أن تكون حتى تتم منها الغاية المطلوبة بها ، والثاني أن تنضاف إليه القدرة على إيجاد الترتيب والنظام واتقانه وإحكامه فيقال حكيم من الحكمة ، وهو نوع من العلم ، ويقال حكيم من الأحكام وهو نوع من الفعل ، فقد اتضح لك معنى هذه الألفاظ في الأصل ولكن هاهنا ثلاث غلطات للوهم يستفاد من الوقوف عليها الخلاص من إشكالات تغتر بها طوائف كثيرة :
الغلطة الأولى : أن الإنسان قد يطلق اسم القبيح على ما يخالف غرضه وإن كان يوافق غرض غيره ، ولكنه لا يلتفت إلى الغير ، فكل طبع مشغوف بنفسه ومستحقر ما عداه ولذلك يحكم على الفعل مطلقا بأنه قبيح وقد يقول أنه قبيح في عينه ، وسببه أنه قبيح في حقه بمعنى أنه مخالف لغرضه ، ولكن أغراضه كأنه كل العالم في حقه فيتوهم أن المخالف لحقه مخالف في نفسه ، فيضيف القبح إلى ذات الشيء ويحكم بالإطلاق ؛ فهو مصيب في أصل
__________________
(١) منفق عليه