ولا يكون صدوره من صاحبه أولى من تركه لا يسمى واجبا وإن ترجح وكان أولا لا يسميه أيضا بكل ترجيح بل لا بد من خصوص ترجيح. ومعلوم أن الفعل قد يكون بحيث يعلم أنه يعلم أنه نستعقب تركه ضررا ، أو يتوهم ، وذلك الضرر إما عاجل في الدنيا وإما آجل في العاقبة ، وهو إما قريب محتمل وإما عظيم لا يطاق مثله ، فانقسام الفعل ووجوه ترجحه لهذه الأقسام ثابت في العقل من غير لفظ فلنرجع إلى اللفظ فنقول : معلوم أن ما فيه ضرر قريب محتمل لا يسمى واجبا ؛ إذ العطشان إذا لم يبادر الى شرب الماء تضرر تضررا قريبا ولا يقال إن الشرب عليه واجب ، ومعلوم أن ما لا ضرر فيه أصلا ولكن في فعله فائدة لا يسمى واجبا ، فان التجارة واكتساب المال والنوافل فيه فائدة ولا يسمى واجبا ، بل المخصوص باسم الواجب ما في تركه ضرر ظاهر فإن كان ذلك في العاقبة أعني الآخرة ، وعرف بالشرع فنحن نسميه واجبا ، وإن كان ذلك في الدنيا وعرف بالعقل فقد يسمى أيضا ذلك واجبا ، فإن من لا يعتقد الشرع قد يقول واجب على الجائع الذي يموت من الجوع أن يأكل إذا وجد الخبز ونعني بوجوب الأكل ترجح فعله على تركه بما يتعلق من الضرر بتركه ، ولسنا نحرم هذا الاصطلاح بالشرع فإن الاصطلاحات مباحة لا حجر فيها للشرع ولا للعقل ، وإنما تمنع منه اللغة إذا لم يكن على وفق الموضوع المعروف فقد تحصلنا على معنيين للواجب ورجع كلاهما إلى التعرض للضرر وكان أحدهما أعم لا يختص بالآخرة ، والآخر أخص وهو اصطلاحنا ، وقد يطلق الواجب بمعنى ثالث وهو الذي يؤدي عدم وقوعه إلى أمر محال ، كما يقال : ما علم وقوعه فوقوعه واجب ، ومعناه أنه إن لم يقع يؤدي إلى أن ينقلب العلم جهلا وذلك محال ، فيكون معنى وجوبه أن ضده محال ، فليسمّ هذا المعنى الثالث الواجب.
وأما الحسن فحظ المعنى منه أن الفعل في حق الفاعل ينقسم إلى ثلاثة أقسام أحدها أن توافقه أي تلائم غرضه ، والثاني أن ينافر غرضه ، والثالث