القطب الثالث
(في أفعال الله تعالى وجملة أفعال جائزة لا يوصف شيء منها بالوجوب)
وندعي في هذا القطب سبعة أمور : ندعي أنه يجوز لله تعالى أن لا يكلف عباده ، وأنه يجوز أن يكلفهم ما لا يطاق ، وأنه يجوز منه إيلام العباد بغير عوض وجناية ، وأنه لا يجب رعاية الاصلح لهم ، وأنه لا يجب عليه ثواب الطاعة وعقاب المعصية ، وأن العبد لا يجب عليه شيء بالعقل بل بالشرع ، وأنه لا يجب على الله بعثه الرسل ، وأنه لو بعث لم يكن قبيحا ولا محالا بل أمكن اظهار صدقهم بالمعجزة ، وجملة هذه الدعاوى تنبني على البحث عن معنى الواجب والحسن والقبيح ، ولقد خاض الخائضون فيه وطولوا القول في أن العقل هل يحسن ويقبح وهل يوجب ، وإنما كثر الخبط لأنهم لم يحصلوا معنى هذه الألفاظ واختلافات الاصطلاحات فيها وكيف تخاطب خصمان في أن العقل واجب وهما بعد لم يفهما معنى الواجب ، فهما محصلا متفقا عليه بينهما ، فلنقدم البحث عن الاصطلاحات ولا بد من الوقوف على معنى ستة الفاظ وهي : الواجب ، والحسن ، والقبيح ، والعبث ، والسفه ، والحكمة ؛ فإن هذه الألفاظ مشتركة ومثار الأغاليط إجمالها ، والوجه في أمثال هذه المباحث ان نطرح الألفاظ ونحصل المعاني في العقل بعبارات أخرى ثم نلتفت إلى الألفاظ المبحوث عنها وننظر إلى تفاوت الاصطلاحات فيها ، فنقول : أما الواجب فإنه يطلق على فعل لا محالة ، ويطلق على القديم إنه واجب ، وعلى الشمس إذا غربت إنها واجبة ، وليس من غرضنا ، وليس يخفى ان الفعل الذي لا يترجح فعله على تركه