إلى النطاق العالمي الوسيع ، أي ننطلق من الزاوية الصغيرة من حياة أمير المؤمنين عليّ إلى الرحاب الواسع في فضاء روحانيته وولايته ، لا بدّ أن ندرك أن لابن أبي طالب عليهالسلام مكانة بين الأفذاذ أصحاب الدساتير بل لا يقرن بواحد منهم أبدا ، فما هي هذه المكانة! وما هو محل الرجل بين اولئك الأفذاذ الذين برزوا في التاريخ؟!
يمكنني القول أنه ليس من اليسير الغوص في أعماق شخصية هذا الفذ ولا سبر غوره ، وكيف نحيط به خبرا وقد قال عنه صنوه رسول الله محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا عليّ ما عرف الله إلّا أنا وأنت وما عرفني إلّا الله وأنت ، وما عرفك إلا الله وأنا.
فقد تبلورت هذه الشخصية المباركة بالكمال الإلهي والتأييد الربّاني منذ نشأته ونعومة أظافره حيث تشهد حياته المباركة بالمواقف الكريمة حيث أعطت الإسلام الكثير من العطاءات ، فلو لا مواقفه البطولية لما تمكّن الكثير من العطاءات ، ولما أمكن الإسلام أن يصمد أمام التيارات الجاهلية التي كانت له بالمرصاد ، فالإمام عليّ عليهالسلام هو الذي بترها واجتثها بسيفه ، كما أنه دفع بالمسيرة الإسلامية نحو الأمام بالمجالات العلمية بشتى أنواعها.
وقد تميزت شخصيته عليهالسلام بعدة ملامح رئيسية منها :
الملمح الأول : المسحة الربانية حيث اتصفت ـ حسبما أفدنا سابقا ـ بمسحة إلهية ، انعكست عليها آثار الجلال الإلهي لوفور عقله وشدة قابليته ، هذا مضافا إلى معاشرته للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم منذ كان صغيرا فلم يفارقه طوال حياته ، ثم مصاهرته له مما يعني اصطفاؤه له كما اصطفاه تعالى لنفسه ، فالله عزوجل قد اصطفى محمدا رسولا واصطفى عليا إماما ، وهذا الأمر له دلالاته وانعكاساته على شخصيته المقدّسة ، لأن اصطفاء الله عزوجل له لم يكن عن عبث ، وإنما له أبعاده المستقبلية ، وهذا ما تشير إليه الأخبار الواردة من مصادر الفريقين عن النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم بألفاظ متعددة :