الزلزال الذي يصيب الأرض في ما تحدّث الله عنه بقوله : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) [الزلزلة : ١].
(وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ) والعشار النوق الحبالى في شهرها العاشر ، وهي من أنفس الأموال لدى العرب ومن أغلاها ، لأنها مرجوّة اللبن والولد ، بحيث لا يتصور في حقّ أحد إهمالها وتعطيلها ، لأن ذلك يوجب ضياع مال عظيم ومنفعة عظيمة ، مما لا يقدم العاقل على ضياعه ، ولكن الهول الذي يواجهه الإنسان في ذلك اليوم يجعله منشغلا عن كل شيء من شؤونه الكبيرة وأمواله النفيسة. وبذلك يكون التعبير واردا على سبيل الكناية عن شدّة الهول وفظاعة الموقف.
(وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) أي جمعت وانزوت واقترب بعضها من بعض ، فلم يعد لديها إمكان التحرك بحرية ووفق طريقتها الخاصة التي تطلب بها غذاءها عادة ، أو لتحمي بها نفسها من بعضها البعض ، في ما اعتادته من افتراس بعضها البعض ، وإذا الموقف قد أنساها كل شيء ، بحيث يمرّ الوحش القوي بالحيوان الضعيف ، فينسى غريزة الافتراس في ذاته ، ويمرّ الضعيف بالقوي فلا يخاف منه.
ولكن ، هل المراد من الحشر هو حشرها في ساحة القيامة؟ وهل للوحوش تكليف في الدنيا حتى تحاسب على الانحراف عنه في الآخرة؟ أم أن للمسألة معنى آخر؟
ربما يقال بالمعنى الأول ، إن الوحوش محشورة كالإنسان ، ويؤيده قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) [الأنعام : ٣٨].
«وأمّا تفصيل حالها بعد الحشر وما يؤول إليه أمرها ، فلم يرد في كلامه تعالى ، ولا في ما يعتمد عليه من الأخبار ، ما يكشف عن ذلك» ، كما يقول