الرسول الذي يحمل الوحي للأنبياء ليبلّغوه للناس ، وقد يكون المراد به الخلق العظيم الذي يتميز بقدرة خاصة غامضة ، أو بطبيعة مختلفة عن طبيعة الملائكة ، ولكن ما هي تفاصيل ذلك الأمر؟ وما هي ملامحه الدقيقة؟ إن ذلك مما لم يبيّنه الله لنا ، ولكننا نعرف أن هناك بيانا لكل أمر حكيم أمرا من عند الله ، وقد فسّره المفسرون بالأرزاق والآجال والأوضاع المتصلة بحياة الإنسان.
ومهما كان ، مما يمكن للإنسان فهم معناه ، وبلوغ مداه ، أو مما لا يمكن له الوصول إلى ذلك ، فإن الآية توحي بأن هناك سرا ربّانيا يثيره الله في هذه الليلة في الكون الإنساني من خلال رحمته التي يرحم بها عباده ، ولطفه الذي يلطف به في حياتهم العامة أو الخاصة.
* * *
الاستعداد لليلة القدر
ولذلك جاءت التعاليم النبوية المستمدّة من الوحي الإلهي الذي أوحى به إلى نبيّه ، أو ألهمه إياه ، في ضرورة استعداده فيها للصلاة والابتهال والدعاء والانقطاع إلى الله ، والتقرب إليه بالكلمة الخاشعة ، والدمعة الخائفة ، والخفقة الحائرة ، والشهقة المبتهلة ، ليحصل على رضاه ، فيكون ذلك أساسا للتقدير الإلهي الذي يمثل عناية الله به ورعايته له ، وانفتاحه عليه بربوبيته الحانية الرحيمة. وذلك هو السر الذي يرتبط به الإنسان بليلة القدر ، في مواقع إنسانيته ، ليلتقي ـ فيها ـ بالسرّ الإلهي في رحاب ربوبيته ، لينطلق الإنسان إلى ربه قائما وقاعدا ، وراكعا وساجدا ، في إخلاصه ، وفي ابتهاله وفي خشوعه ، لتكون هذه الليلة موعدا إلهيّا يتميّز عن أيّ موعد آخر. فبإمكان الإنسان أن يلتقي بالله في كل وقت ، ولكن لقاءه به في ليلة القدر شيء آخر ، فهي (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) ، فالرحمة فيها تتضاعف ، والعمل فيها يكبر ، والخير فيها يكثر ،