فجاء أبو جهل ، فقال : ألم أنهك عن هذا التصرف؟ فانصرف إليه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فزبره ، فقال أبو جهل : والله ، إنك لتعلم ما بها ناد أكثر مني ، فأنزل الله تعالى : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ* سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) قال ابن عباس : والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله تبارك وتعالى» (١).
وإذا صحت هذه الرواية ، فإنها لا تختص بأبي جهل ، بل يكون مجرد نموذج لهذا الإنسان الذي يكفر بالله ، أو يشرك به ، ويستهين به وبعبادته ، ويعمل على زجر الإنسان الذي يقف بين يدي ربه خاشعا خاضعا له معترفا بعبوديته له ، معبّرا عن إخلاصه وتعظيمه لقدسه وجلاله.
* * *
من نماذج الكفرة الطغاة
وهذا نموذج من الناس الذين يعيشون الطغيان في شخصياتهم ، فينصبون أنفسهم قيّمين على الناس حيث يطلبون منهم أن يطيعوهم في كل شيء ، بعيدا عما إذا كان ذلك حقا أو باطلا ، لأن المسألة لديهم هي أن يحقّقوا ذواتهم في المجتمع بتأكيد إرادتهم في إسقاط إرادة الناس من حولهم ، لتكون الكلمة كلمتهم في كل شيء.
(أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى * عَبْداً إِذا صَلَّى) وهذا هو ما نلاحظه لدى الكثيرين من الناس في كل زمان ومكان ، ممن يتعقّدون من الإيمان والمؤمنين ، فيعملون على ممارسة كل ألوان الاضطهاد عليهم ، لإبعادهم عن الصلاة التي هي المظهر العملي الحيّ للإيمان ، وللعبادة المنفتحة على الله بكل كلمة من كلماتها ، وكل حركة من حركاتها ، الأمر الذي يجعلها معراجا للمؤمن ،
__________________
(١) الواحدي ، علي بن أحمد ، أسباب النزول ، دار الفكر ، ١٤١٤ ه ـ ١٩٩٤ م ، ص : ٢٥٤. وقد ذكرت الرواية أيضا في تفسير الطبري.