كل شيء ، سواء في أصل وجوده أو حركته ، وفي كل شروطهما ، في الهواء الذي يتنفسه ، والماء الذي يشربه ، والغذاء الذي يتغذى به ، واللباس الذي يلبسه ، والأرض التي يسكنها ، فيغفل عن ذلك كله ، ويستغرق في ذاته ، فلا يتطلع إلى ما حوله ومن حوله. (أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) ما المراد بهذه الكلمة؟ هل المراد بها الغنى المتمثّل بالمال الوفير ، يدفع الإنسان إلى الطغيان ، باعتبار أن المال الذي يؤمّن للإنسان كل حاجاته وشهواته يخرجه عن طوره ، ويخلّ بتوازنه ، ويدفعه إلى تجاوز حدوده الطبيعية ، في نظرته إلى نفسه ، وإلى غيره ، حيث يجد حجمه كبيرا بشكل غير معقول ، كما يستضعف غيره في تعاليه على الناس ، أو أن المراد بها الاستغناء عن الله ، والشعور بالاستقلال عنه ، لأنه يستغرق في ما لديه من النعم ، في المال والصحة ، والأمن والقوّة والفرص الحاصلة عنده ، فينسى ربّه ، ويخيّل إليه أنه لا يحتاج إليه لاستغراقه في سجن ذاته الذي لا يرى فيه إلا ذاته؟
وربما كان من ذلك ، بعض الناس الذين يملكون قوّة العلم التي يستطيعون من خلالها أن ينتجوا كل أدوات الدمار ، وأن يصعدوا إلى أعالي الفضاء ، وأن ينزلوا إلى أعماق البحار ، وأن يملأوا الأرض بالوسائل التي تملأ حياة الإنسان بما يحتاجه في الاكتفاء الذاتي في وسائل العيش ، وأدوات الراحة ، فيعيشون الشعور بالقوة المطلقة ، ويستغرقون في التفكير المادي ، فلا ينفتحون على الغيب ، ولا يفكرون بالموت ، ولا يلتفتون إلى نقاط الضعف الكامنة في وجودهم ، حتى يفاجئهم ذلك كله.
* * *
الناس خاضعون لرب العالمين
(إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) فهذه هي الحقيقة الإيمانية التي تفرض نفسها على كل