التنازل كلما تقدم به العمر ، ليكون على نسق قوله تعالى : (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) [يس : ٦٨] ، أو قوله تعالى : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) [الحج : ٥] ، وقد يستفاد منه ، إيحائيا ، الدرجة الروحية السفلى التي قد يصل إليها الإنسان عند ما يعيش أرذل الوعي وأسفل الشعور ، في ما يتمخض عن ذلك من الانحطاط العملي الذي يؤدي به إلى الانحراف عن الله. وهنا يكون الاستثناء في الآية التالية متصلا ، وربما يكون منقطعا إذا لا حظنا المعنى الحرفي للكلمة ، في ما يوحي به من المعنى المادي للجسد.
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) أي غير منقوص في احتمال ، وغير مقطوع ، في احتمال آخر ، أو غير محسوب ، أو غير مكدّر بما يؤذي.
* * *
الله أحكم الحاكمين
(فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) والظاهر أنه خطاب للإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم ثم ردّه أسفل سافلين ، في نطاق الخطة الحكيمة في خلقه وفي تدبير أمره الذي يوحي بأن الله لا يمكن أن يهمل عباده من عباده من دون أن يجعل لحياتهم هدفا ، ولدنياهم آخرة ، انطلاقا من حكمته في خلقه المتمثلة بكل شيء في الوجود ، فلا مجال فيه للعبث أو للفوضى أو للصدفة ، فكيف يمكن أن يكذب بالجزاء في يوم القيامة ، أو يكذب بيوم القيامة؟ وهل ذلك إلا إبقاء الحياة كلها في دائرة العبث؟ وما هي الأسس التي يرتكزون عليها في تكذيبهم؟
(أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) فهو الذي ينطلق في حكمه من خلال حكمته في تدبيره ، مما يجعل الحكم خاضعا للعمق العميق للمصلحة ، وللعدل والإتقان ، فيمنح المطيع ثوابه ، والعاصي عقابه ، لأن العدل يفرض ذلك ، ولأن الحكمة توحي بذلك.