في أجواء السورة
وهذه من السور المكية التي تطوف بالإنسان في بعض نماذج خلق الله التي تتميّز ببعض الخصائص المميزة التي تدعوه إلى التأمّل في نعم الله التي أضفاها عليه ، لجهة تأمين ما يشتهيه من غذاء وغيره ، أو لجهة الرسالة وحركة الرسل ، لتطلّ بعد ذلك على حقيقة وجودية في الإنسان ، الذي هو الموجود الحيّ المخلوق ، ليؤدي هذه الرسالة ، وليبلّغها ويعمل بها ، فقد خلقه الله (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) في بنيانه الجسدي الذي تستقيم كل أعضائه وأجزائه في تناسق بديع متقن ، ليكون ذلك أساسا لاستقامته في فطرته وعقله وشعوره ليسير إلى الطريق القويم. ثم ردّه (أَسْفَلَ سافِلِينَ) عند بلوغه العمر الأرذل الذي لا يعلم فيه من بعد علم شيئا ، مما يوحي بالتسافل في وعيه وعمله ، باعتبار أن للإنسان في خلقه جانبا ماديا يتصل بجسده ، في ما هو العلو والسفل ، وجانبا معنويا يتصل بروحه ، في ما هي الاستقامة والانحراف. لكن (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) يبقون في حال الارتفاع من خلال ما يمنحهم الله من أجر لا ينقطع ، فكيف يكذّب الإنسان بالجزاء الذي هو المظهر الحيّ لحكمة الله في حكمه في عالم التكوين وفي عالم التشريع؟! وبذلك تطل السورة على مسألة البعث في مقام الإيحاء على أساس الإشارة إلى الجزاء.
* * *