الاستمرار مهما أثار المشركون والمنافقون من التهاويل حوله ، لأن الله قد أعطاه في الآخرة من علوّ الدرجة ما لم يعط أحدا من عباده وسيزيد في عطيته بما يرضيه.
ثم يذكّره بطفولته عند ما كان يتيما فآواه ، ولم يسمح لليتم أن يشرّده ، وبشبابه عند ما كان ضالا لا يعرف الطريق إلى الرسالة ، فهداه وأرسله برسالته ، وبأوضاعه المادية الصعبة عند ما كان فقيرا فأغناه ، وعرّفه بأنه لا بد من أن يستوحي ذلك في تعامله مع اليتيم ، فلا يقهره بالكلمة والممارسة ، لأنه عاش المشاعر الحساسة لليتم ، ويعرف مدى حاجته للكلمة الحلوة ، ومدى تأثير الكلمة القاسية القاهرة في إحساسه الرقيق ، وفي تعامله مع السائل الذي يدفعه فقره إلى السؤال ، فلا ينهره ، لأن ذلك الأسلوب القاسي الفظّ في التعامل معه يرهق روحه ، ويسقط كرامته ، وفي انفتاحه على نعمة ربه ليتحدث إلى الناس عنها في أسلوب الشكر ، وفي حركة الطاعة.
وإذا كانت لهذه السورة علاقة بالواقع الذي كان يعيشه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في احتباس الوحي عنه ، مما جعل المشركين يشمتون به ويتحدثون عنه بطريقة غير مسئولة ، فإنها قد توحي للدعاة من بعده بأن لا يسقطوا أمام الشدائد التي تضغط عليهم ، والكلمات التي تسيء إليهم ، وأنّ عليهم أن يفكّروا بالآخرة لا بالدنيا ، ليمتد شعورهم بالرضوان الإلهي هناك بدلا من أن يفكروا بالمشاكل المحيطة بهم هنا. كما أن عليهم أن يتذكروا نعمة الله عليهم في ما أولاهم من نعمه ، وفي ما أنقذهم من الشدائد التي كانت تثقل عليهم ، ليكون سلوكهم مع الفئات الفقيرة أو الضعيفة ، سلوكا رساليا لا يتنكر لليتيم ، ولا يتعالى على الفقير ، بل ينفتح على كل هذه الفئات الاجتماعية من خلال مسئوليته الروحية والأخلاقية في خط الرسالة.
* * *