إلى المنهج الحق إذا استعمل عقله وحرّكه في اتجاه التفكير في مواجهة الشبهات ، أو في حل المشاكل الفكرية التي يثيرونها ضد العقيدة الحقة ، أو في الإجابة عن كل علامات الاستفهام في هذا الاتجاه. فالعقل هو الذي يمثل الرسول الداخلي الذي يدعو الناس إلى الله ، وهو الذي يمثل الحجة التي يحتج بها الله على عباده ، في حين يتصدى الوحي إلى معالي القضايا التي لا يستقل العقل بإدراك تفاصيلها ، أو لا يملك الوسائل للوصول إليها ، لتكتمل للإنسان ، بالعقل والوحي ، عملية هدايته.
وهذا هو الأقرب في المراد من تكفّل الله للناس بالهداية ، فلا مجال للاعتراض على الآية بأنها دالّة على الجبر باعتبار أن مفادها هو أن الله جعل الهدى عليه ، بمعنى أنه يلتزم حصول الهداية للناس بإرادته التي لا تتخلف عن مراده ، لأن المسألة هي تهيئة أسبابها التي إذا أخذ الناس بها من ناحية الفكر اهتدوا بها من موقع الاختيار الحرّ ، وإذا لم يأخذوا بها ضلّوا ، وفي كلا الحالين ، فإن الله قد أعطى للعقل هداه وللناس هدايتهم.
* * *
الأولى مزرعة الاخرة
(وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى) فهو الذي خلق هذه وتلك ، وهو الذي جعل من الأولى مزرعة للآخرة ، ودبّر لهذه نظامها ، ولتلك أوضاعها ، وجعل للمحسن في الدنيا ثوابه في نعيم الجنة في الآخرة ، وللمسيء فيها عقابه في عذاب النار في الآخرة. وفي ضوء ذلك ، لا بد للإنسان من أن يتوكل على الله ، ويعمل للحصول على رضاه من خلال عمله ، ويتطلع إلى الحصول على ثوابه في الآخرة.
(فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى) وتشتعل بلهيبها المحرق (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى) الذي