غشاء يلقي بظله على الأفق ، فيحجب كل إشراقة في الكون في أرجائه ، وهنا تتخدر العيون فيزحف إليها النعاس ، وتهدأ الأجساد فتكف عن الحركة ، ويستسلم الناس للاسترخاء ، فيحتضنون أحلامهم في حبّ وهدوء ، ويغيبون في استغراق في أحلام اليقظة أو في أحلام النوم ، وتغفو الأسرار وتحتجب عن العيون ، وتتحرك الأشباح فيه فتثير الخوف تارة والوهم أخرى. إنه الكون الرهيب الذي يدفع إلى التفكير ، ويوحي بالروحانية ، ويقود إلى همسات الحب ووشوشات الظلام ووسوسات الصدور ونبضات القلوب وإيحاءات الشعور. وهذا ما يريد الله من الإنسان أن يستغرق فيه ، ليدرك سرّ العظمة في النظام الكوني الذي يتحرك فيه.
(وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) وظهر من قلب الخفاء الكوني الذي كان غارقا في ظلام الليل ، فكأنه كان مختبئا ثم أطلّ على الأفق بنوره ، ليكشف كل الأشياء الخفية المستورة ، وليكون هذا الوضوح في الأفق المطلّ على الأرض والحياة والإنسان بشعاعه المشرق ، بمثابة إعطاء إشارة الانطلاق لكل شيء يملك الحركة أن يتحرك ، أو يملك إمكانات الظهور أن يظهر ، ليتعرف الإنسان من خلال ذلك ، كيف يمنح التنوع الكوني في حركة الزمان ، النظام المتوازن الذي يتولى توزيع الأدوار وتقسيم المواقع في ما يمكن أن يحقق لكل حيّ السعادة في حياته.
* * *
التكامل الحيّ في حركة الوجود
(وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) ربما كانت ما موصولة ، أي أقسم بالذي خلق الذكر والأنثى وهو الله ، وكان من المفروض أن يكون التعبير بمن التي هي للعاقل ، ولكن جاء التعبير ب ـ «ما» إيثارا للتفخيم المشعر بالتعجيب والتفخيم ، أي أقسم بالشيء العجيب الذي أوجد الذكر والأنثى المختلفين في خصائصهما الذاتية