تبرز في حالات الرخاء ، أو في حالة الشدّة ، ولأن مسألة الرجوع إلى الله والالتزام بالإخلاص لربوبيته ، ليست أمرا مربوطا بوضع معيّن ، بل لا بد من أن يكون الإيمان بالله والإخلاص له في جميع حالات الإنسان ، فقد يبتلي الله الإنسان بالغنى لينظر في عمله ، هل يشكر نعمة الله ، فيخشع قلبه له ، ويشعر بأن ما عنده هو منه سبحانه ، ويبذل ذلك في طاعته ، ويحركه في مواقع رضاه ، أو يفكر بنعمة الله عليه فيعتبر ذلك كرامة وامتيازا ، أو يوحي لنفسه بأنه قد حصل عليها من خلال جهده وخبرته ، وليس لله دخل في ذلك ، كما حدثنا الله عن قارون في قوله : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) [القصص : ٧٨] ثم يستعلي بما ملكه على الناس ليواجههم من موقع الكبرياء المالي.
ولهذا ، فلا بد للإنسان من اعتبار النعمة اختبارا وامتحانا ، لا كرامة وامتيازا.
* * *
الفقر ليس إهانة من الله للفقير
(وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) أي ضيّق عليه رزقه ، (فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ).
وهذا هو نوع آخر من أنواع الواقع الصعب الذي يتحول بفعل مشاكله المرتبطة به ، ليكون اختبارا وامتحانا ، فقد يبتلي الله بعض عباده بالفقر لينظر في تصرّفه وانفعاله به ، هل يصبر على ذلك ، فلا يبيع دينه بمال الكافرين ، ولا يغيّر مواقفه بإغراءات المستكبرين ، ولا يسخط على قضاء الله ، ولا يسقط أمام الأوضاع السلبية التي تتحداه ، ليفقد صلته بربه أو يكفر ، فيعتبر ذلك إهانة واحتقارا من الله له ، وينحرف عن الخط المستقيم على أساس ذلك ، ثم يبتعد كثيرا عن الله ، ليقترب من ساحة أعدائه؟
* * *