موقف الإنسان من ابتلاء الله أو تكريمه
وإذا كان الله بالمرصاد لعباده ، فلا بد لهم من أن يراقبوه ويدققوا جيّدا في كل الأوضاع التي تصيبهم في ما يصدر منه بشكل مباشر ، أو بلحاظ السنن الكونية والاجتماعية ، مما قد يكون تدريبا لهم على الدخول في التجربة الحيّة في دائرة مشاكل الحياة ، كالفقر والغنى ، والأمن والخوف ، ليعرفوا أن عليهم أن لا يحكموا حكما قطعيا حاسما على طبيعة الظاهرة الواقعية في حياتهم في إيحاءاتها السلبية أو الإيجابية ، فربما كانت اختبارا وامتحانا لإيمانهم ، في ما يمكن أن تؤدي إليه مواقفهم في نهاية المطاف. ولكن الإنسان لا يتصرف بهذه الطريقة ، فيرتبط بالسطح ليحكم على أساسه ، ولا يرتبط بالعمق ، فيجعل قضاء الله في حياته ، مثل موازين الناس في أوضاعهم على مستوى حركة العلاقات وطبيعتها.
* * *
النعمة ليست دليل كرامة الله الإنسان
(فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) فيرى النعمة في ما وسّع الله عليه من رزقه امتيازا وكرامة ، بحيث يشعر بالامتياز الذاتي في الرعاية الإلهية دون سائر الخلق ، فيدفعه ذلك إلى الشعور بالكبرياء والعلوّ على الآخرين. ولكن الإنسان لا يتعمق في المسألة جيّدا ، فإن الله قد أجرى الحياة ، في عطائه للناس أو منعه عنهم ، على السنن الكونية والاجتماعية ، فلا يعطي إنسانا لكرامته عنده ، ولا يمنعه لاحتقاره لديه ، ولكن لاقتضاء تلك السنن ذلك. ولا بد له من ملاحظة أنّ ذلك قد يكون اختبارا طبيعيا لصدقه في إيمانه ، لأن الله أراد من الناس الثبات في كل مواقع الاهتزاز الواقعية ، فلا تسقطهم الزلازل ، ولا تطغيهم المواقع ، لأن مسألة الإيمان ليست حالة طارئة