بين الطغيان والعذاب
(فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) فأفاض عليهم عذابه ، كما لو كان فيضانا يغمرهم بكل مياهه الحارة اللاهبة ، ويلهب ظهورهم وكيانهم كمثل السوط الذي يهوي على الأجساد فيلذعها بما يثيره من الآلام القاسية الصارخة ، وذلك بمختلف ألوان العذاب التي قضت عليهم أجمعين ، فلم تبق منهم باقية.
وينطلق التاريخ بعدهم ليبدأ مرحلة جديدة في فكر جديد ، وصراع جديد.
(إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) فهو المهيمن على الواقع كله ، وعلى الأمر كله ، والراصد لكل أعمال الطغاة وأوضاعهم. وستبقى مسألة الطغيان تفرض نفسها على الواقع المتجدد ، وستبقى إرادة الله تلاحق كل الطغاة لتنزل عليهم العذاب بشكل مباشر ، في ما يخلقه الله من وسائل العذاب ، أو بشكل غير مباشر في ما يتحرك به المستضعفون بوسائلهم الخاصة ، ليعملوا على القضاء عليهم أو إضعافهم.
وهكذا يقف الدعاة إلى الله ، والمستضعفون في الأرض ، لينفتحوا على الأمل الكبير ، عند ما تضيق بهم الحياة ، وتشتد عليهم الضغوط ، وتزحف نوازع اليأس إلى حياتهم ، فإذا بالله في قدرته ورصده وإشرافه على أوضاع عباده ، يوحي لهم بمتابعة طريق الدعوة والجهاد في سبيله والأخذ بأسباب الحرية ، ليقول لهم : إني معكم ، وليقول كل واحد لصاحبه : (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) [التوبة : ٤٠] فيزدادون قوّة وثباتا واندفاعا في حركة الصراع.
* * *