الناس ، للضغط على حياتهم ، واستغلال مواردهم ، وفرض إرادتهم عليهم بالتعسف والقسوة. (فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ) لأنهم لم ينطلقوا ، في علاقتهم بالناس ، من قانون عادل يخضع له الجميع ، لينظّم لهم حياتهم ، ويرعى موازين العدل في خلافاتهم ، ويضع الحدود لهم حتى يعرفوا حدود أعمالهم وأقوالهم وعلاقاتهم وأوضاعهم ، فإذا تجاوزوها كان هناك أساس شرعيّ للعقاب ، لإرجاع المتجاوزين إلى الحدود المرسومة والضوابط المعلومة ، بل انطلقوا في علاقتهم بهم من خلال تأليه الذات المتحركة من شريعة الاستكبار القائمة على القوّة ، المنطلقة من الهوى ، الخاضعة للعقدة المستحكمة في شخصية هذا أو ذاك من هؤلاء الطغاة المستكبرين ، ممّا لا يجعل هناك أيّة ضابطة لتصرفاتهم في الحكم والتشريع والإدارة والاقتصاد والحرب والسلم. فكلمات الطاغية هي القانون ، ونزواته هي حيثيات الحكم ، ومصالحه هي الأسس التي يخضع لها الاقتصاد ، وغضبه ورضاه هما القاعدتان اللتان تحكمان الحرب والسلم ، وبهذا يتحرك الطغيان من موقع اللّاقاعدة في ما هو مضمون الحركة في الحياة.
ثم لا يقتصر الأمر عند هذا الحدّ ، فإن الطغاة يعملون على تغيير المفاهيم والقيم والقوانين لمصلحة طغيانهم ، من أجل أن يغيّروا الذهنية العامة للتحوّل إلى رأي عامّ لمصلحة النتائج السلبية التي يريدون لها أن تحرّك قضايا الواقع في مواجهة مسألة الحرية ، التي تنطلق ثورتها في حركة الجماهير الغاضبة ، ليقوموا بتدميرها ، والناس تصفق لهم ، والهتافات تلهج بأسمائهم. وهكذا يعملون على تحويل القانون العام والقيم الكبيرة التي يصوغونها على طريقتهم ، إلى أداة قمع لكل من يواجه ذلك ، فيكون المعروف منكرا والمنكر معروفا. وهكذا ، حتى يتحول الفساد واقعا حيّا في حياة الناس ، ولكن في صورة أخرى ، كما لو كان بعنوان الصلاح ، وهذا ما عبّرت عنه الآيتان الكريمتان في الحديث عن المنافقين في قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي