(وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) تماما كما هو المخلوق الحيّ المتحرك بإرادة واختيار ليبسط ظلّه على الكون ، فيطبع الفضاء ظلاما ، والأرض ظلاما ، وليتجول في كل مواقع الكون ساهرا في انتظار النهاية في آفاق بدايات الفجر.
* * *
وجوب الاعتبار بمن مضى
(هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) أي لذي لبّ وعقل ، يفكر جيّدا بكل الأمور التي تطرح عليه ليميز الحق من الباطل ، وليؤكد الفكرة الثابتة التي يؤكدها الله بقسمه ، لأنها تمثل الحقيقة الحاسمة ، وهي أن الله لن يترك الطغيان وأهله في سلام على الأرض ، ولكنه يعذبهم ويزلزل قواعدهم بعذابه بطريقته الخاصة ، وأنه يختبر عباده بالغنى والفقر ، ليميز الشاكر من الكافر ، والصابر من الجازع ، وليعطي لكل ذي حق ثوابه ، ولكل ذي باطل عقابه.
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ) وهم قوم هود الذين يمثلون القوّة الجبارة في التاريخ القديم ، وكان مسكنهم في الأحقاف ، وهي كثبان الرمال في جنوبي الجزيرة بين حضرموت واليمن.
(إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ* الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) فقد كانت مدينة لا نظير لها ذات قصور عالية وعمد ممدّدة ، ولا نعرف من هؤلاء الجماعة ومن تاريخهم شيئا ذا بال ، إلا ما قصه القرآن علينا من أنهم كانوا ذوي بسطة في الخلق أولي قوّة وبطش شديد ، وكان لهم تقدّم ورقيّ في المدنية والحضارة ، ولهم بلاد عامرة وأراض خصبة ذات جنّات ونخيل وزروع ومقام كريم.
وقد اختلفت قصة جنة إرم المشهورة المروية عن كعب الأحبار ووهب ابن منبه ، مما لم يثبت له أساس في الروايات الإسلامية الصحيحة.