بالأعباء والتكاليف لمصلحة المستكبرين. وقد تبدلت المواقع الآن ، ولكن لا من خلال العقدة المستحكمة التي كانت تحكم الواقع المستكبر ، بل من خلال العمل ونتائجه.
(لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) فهناك تعيش الجوّ الرضيّ الهادىء الوديع الجدّي ، الذي يحمل الناس فيه مسئولية الحفاظ على المعاني الروحية السابحة في رحاب القداسة في جنة الله التي أعدّها لتكون المجتمع الطاهر المنفتح على الخير كله ، والنفع كله ، فلا مجال فيه لأيّة كلمة لغو ، سواء كان ذلك في نطاق الكلمات الصادرة عن حالة الانفعال ، في ما يمكن أن يسيء إلى الناس ، مما يجرح الذوق والكرامة ، أو كان في نطاق الكلمات الجوفاء التي لا تحمل أيّ معنى نافع أو أيّة فكرة مفيدة جادّة ، تماما كما هي التفاهات والنفايات .. وهكذا يعيش مجتمع الجنة روحية المضمون الحيّ المتحرك في مواقع رضى الله ، ليزدادوا مع كل كلمة فكرا نافعا وروحا طيبة جديدة .. ويأتي الحديث عن النعم الحسية التي توحي بالحالة الروحية الناتجة منها ، في مقابل العذاب الحسي الذي يعانيه الكافرون في ما يوحي به من الحالة النفسية الصعبة التي تمثل عذابا جديدا بالإضافة إلى العذاب المادي.
(فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ) تثير في الجوّ الكثير الكثير من المتعة واللذة الروحية والجمال ، فهي تمثل الينبوع المتدفق الذي يخرج من الأرض ، ويتدفق ويجري لينشر فيها الخصب والنضرة والخضرة والجمال ، وهي تثير الجو البارد الوديع الذي يجعل أهل الجنة ينتشرون في ظلاله على ضفاف هذه العين ، وفي امتداد جريانها ، لينعموا باللقاءات الحلوة اللذيذة البديعة التي يجتمع إليها الناس عند ضفاف الينابيع.
(فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) فلا تنالها الأيدي ، فتبقى في جدّتها ونظافتها ، ليكون الإنسان الذي ينام أو يستلقي أو يجلس عليها هو أوّل إنسان يلمسها.