موقف الدنيا وفي موقف الآخرة. ففي الدنيا يقف المجرمون الذين يتحركون في خط الجريمة الفكرية والاقتصادية والاجتماعية ليواجهوا المؤمنين الذين يتحركون في خط الدعوة إلى الله من أجل أن يخلّصوا الناس من الاجرام بكل ألوانه ، ليسخروا منهم ، وليثيروا الضحكات المستهزئة على أوضاعهم وكلماتهم وطريقتهم في العمل والعبادة ، فكل شيء يصدر منهم يرون فيه مادّة للغمز واللمز ، حتى الأشياء التي لا توحي بأيّ شيء من ذلك. إنّها العقلية المنحطة ، والمزاج السخيف ، والعقدة الخبيثة ... إنها العقلية التي تبتدع الكلمة الضاحكة من الكلمة الجادة ، والحركة الساخرة من الحركة الواعية الخاشعة في عبادة الله والمجاهدة في سبيله ، والغمزة اللاذعة من الإشارة الواعية المليئة بالتهذيب.
أمّا في الآخرة فتتبدل الصورة ، فإذا بهؤلاء المؤمنين يصبحون في الموقع الكبير ، في ما يرفع الله به عباده المؤمنين إلى الدرجات العالية ، ويصبح أولئك المجرمون في الدرجات السفلى. وينطلق المجرمون إلى النار في ذلتهم وانكسارهم ليثيروا سخرية المؤمنين بهم وضحكهم عليهم ، في ما يمثل عمق المعنى في السخرية ، لأنهم تركوا هذا النعيم الكبير المتمثل في الجنة ، ليستبدلوا به الجحيم اللاهب المتمثل في النار من دون أساس ، فأيّة سخرية أكثر لذعا من هذا الواقع الذي يجسد للإنسان نظرته الساخرة إلى نفسه وإلى حركته قبل أن ينظر الآخرون إليه بهذه النظرة ..
وتختلف نظرة المؤمنين إلى الكافرين في الآخرة عن نظرة الكافرين إليهم في الدنيا ، فقد ينطلق المؤمنون من موقع النظرة العميقة إلى الواقع الذي يبعث على السخرية بعقول هؤلاء الذين فضّلوا الحياة الدنيا الفانية على الآخرة الباقية ، من دون أن يرتكزوا في ذلك على حجّة ، فهي السخرية المنطلقة من دراسة الواقع من خلال محاكمته بدقّة وعمق ، لا من موقع العقدة الذاتية الخبيثة المستحكمة في مواقع الحقد ، كما هو حال المجرمين الذين كانت