في ثقلها البارز الذي يحفظ التوازن في طبيعته الشكلية ، كما يعبر عن الشمس بأنها سراج ، وعن القمر بأنه نور.
(وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً) فقد خلق الله الإنسان متنوعا في خصائصه ، فقسّمه إلى ذكر وأنثى ، وجعل في ذلك سرّ امتداد هذا النوع وتكاثره من خلال القوانين المرتبطة باللذة الحسية ، والحاجة الوجودية ، والإبداع الإلهي في سرّ القدرة التي تتنوع فيها الخصائص في عمق وجود النطفة الواحدة في الشكل والعنصر ، فتختلف في نتائجها الحية لتكون هذه النطفة ذكرا وتلك النطفة أنثى ، مما يوحي بالإرادة الإلهية المطلقة ، التي تمثل سرّ التنوع في الوجود كما تمثل سرّ الوحدة فيه.
(وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً) في ما توحي به كلمة السّبات من معنى الراحة والدعة ، فقد أراد الله للإنسان في جسده المتعب المكدود من خلال العمل الذي يبذل فيه جهدا كبيرا ، أن يرتاح ويسترخي ويغرق في غيبوبة محدودة تفصله عن الجوّ الذي يحيط به ، فلا يتأثر بآلامه ومشاكله ، ولا تضغط عليه أوضاعه وتحدياته ، وتمنحه السكون الذي يمتنع معه عن أيّة حركة ترهق الأعصاب وتتعب الجسد ، لتصفو روحه في هدوء الأحلام الغائمة الغارقة في ضباب السكون ، وليرتاح جسده في لحظات التوقّف عن النشاط الحركي ، في حالة الاستغراق في الاسترخاء ، ليعود الإنسان ـ بعد ذلك ـ إنسانا جديدا في نشاطه العملي ، وحركته المنفتحة على حاجات الواقع ، ليكون النوم ، حالة موت مع وقف التنفيذ ، فاصلا بين حياتين ، حياة أتعبها الجهد فاستسلمت للنوم لترتاح ، وحياة تتحفز لجهد الإنسان في حركته الدائبة منفتحا على السكون ، وفي صراعه العنيف منفتحا على الهدوء والسلام ، كما يكون السكون شرطا واقعيا لتوازن الحركة مع قضية الحياة ، وليكون السلام الهادي في غيبوبة الجسد عن حركة الصراع ، لونا من ألوان الإيحاء بصراع جديد يتنفس بالقوّة أو يحمل مشاعر سلام جديد.