(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً) ليلبس الكون لباس الظلام فيه ، ليمنح الأشياء المتحركة فيه الخائفة من بعض مواقع الضوء المسلّطة عليها ، بعض الأمن في اللباس الكوني الذي يحجبها عن عيون الخطر الكامن في بعض مواقع الوجود ، كما يمنح حركة الصراع ، في ما بين الموجودات المتنوّعة التي جعل بعضها غذاء لبعض ، لونا من ألوان الحيويّة التي تستفيدها في أجواء الخفاء التي يثيرها الظلام. وهو بعد ذلك يمنح اللباس الذي يعطي الأمن والراحة للعري الوجودي الذي يفضحه النور في النهار ، كما يفسح المجال لألوان من العري الباحث عن اللذة بعيدا عن الأعين ، ليجد في الليل لباسه الطبيعي الذي لا يتنافى مع حقيقته ليخفيه عن الأعين من دون أن يسيء إليه.
ولعل أجواء هذا اللباس الذي يلفّ الصورة بظلامه ، هو اللباس نفسه الذي يزحف إلى العيون ليبث فيها الاسترخاء ، فيما يدفعها إلى النوم بألوانه الهادئة التي تثير الخدر في الجسد ، والغيبوبة في الروح.
(وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) في ما يعطيه الضوء من فرص واسعة للحركة وللتنقل وللقاء وللبحث عن موارد الرزق ومصادره ، في نشاط حيّ دائب ، لتتكامل للإنسان حاجاته التي هي من شروطه المعاشية. وهكذا أراد الله للإنسان أن يتوازن في نظام حياته بين حركة تضمن استمرار الحياة ، وبين سكون يضمن للحركة قوّتها ونشاطها وحيويتها وامتدادها.
(وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً) من هذه السماوات التي تطلّ عليكم من الأعالي بكل ما توحي به من العظمة والروعة والدقة ، وما تفتحه من موارد النعمة. ولكن ما هو المراد بالسماوات السبع؟ هل هي سبع مجموعات من المجرّات ، التي قد تبلغ الواحدة منها مائة مليون نجم ، والتي لها علاقة بأرضنا أو بمجموعتنا الشمسية ، أو هي شيء آخر مما لم يلق الله إلينا علمه؟ فلنجمل ما أجمله الله ، مما لا سبيل إلى معرفته ، ولا فائدة لنا من البحث عنه. ولكن