ألهمهم من الإيمان به وبتوحيده كحقيقة تفرض نفسها على الفكر والوجدان والشعور ، فيقومون بالعبادات التي فرضها عليهم لتعميق الجانب الروحي في ذواتهم ، وللإيحاء الدائم بالحضور الإلهي في حركة الحياة من حولهم ؛ يجسدون هذا الإيمان واقعا حيّا في كلماتهم وعلاقاتهم ومعاملاتهم ومشاريعهم العملية ، ليكون ذلك كله منسجما مع الخط التشريعي الإلهي الذي جاءت به الرسالات وبشر به الأنبياء كنظام كامل للإنسان وللحياة. وبذلك يكونون مخلصين لله من خلال انفتاحهم عليه والتزامهم بأوامره ونواهيه ، ولأنفسهم بتوجيهها إلى ما يحقق لها سعادة الدنيا والآخرة ، وللناس وللحياة وذلك بالتزامهم الضوابط والحدود وبذلهم الطاقات وتفجيرهم ينابيع الخير وتحريكهم مواقع الحق والعدالة والإيمان.
وهكذا استحقوا البشارة الروحية ، المنطلقة من جهدهم ومعاناتهم مما يكافئ به الله عباده المحسنين (أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) لأن الله لم يرد للإنسان أن يتجرد من غريزة حب الذات القائمة على أساس الأخذ والعطاء ، ولكنه أراد له أن لا يتجمّد في تفكيره بالثمن أو بالعوض عند حدود الدنيا في الجانب المادي منها ، بل يمتد إلى أبعد من ذلك في الجانب الروحي من قيم الحياة ، الذي يملأ قلبه بالرضا والطمأنينة والسرور ، ويلتفت إلى آفاق الآخرة ليحصل على نعيمها السابح في رضوان الله ، وهكذا أجمل الله لهم الأجر في البشارة ، فلم يفصل لهم طبيعته ، ولكنه أطلق لهم التصور في أن يعيشوا الشعور في دائرة حجمه ، فالله سيمنحهم الأجر الكبير الذي يمتد إلى نعيمه ورضوانه ورحمته التي وسعت السّموات والأرض.
أمّا الذين لا يؤمنون بالآخرة ، لأنهم لا يعيشون مسئولية الإيمان ، فينطلقون في أجواء اللامبالاة إزاء قضية العقيدة أو مسألة الالتزام ، ولا يجدون مشكلة في أيّ جانب فكريّ أو عمليّ ، ليناقشوه ويتحاوروا فيه ، ليلتزموه أو يرفضوه ، بل كل همّهم ينحصر في إشباع جوع الحس وإرواء ظمأ الشهوة