بخل ذاتيّ معقّد
(وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ) يعيشون الحياة في حدوده ، ويبعثون فيه بعد الموت. وتلك هي الحقيقة التي تفرض نفسها على الإنسان من موقع المقارنة بين الأشياء وأمثالها (فَأَبَى الظَّالِمُونَ) الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والعناد (إِلَّا كُفُوراً) ورفضا للحق الثابت. وتبقى مشكلة هذا الإنسان التي تفرض عليه الضلال ، وتقوده إلى الانكماش والاستغراق داخل خصوصياته الذاتية ، بعيدا عن رحابة الحياة. وقد يكون من بين مظاهر المشكلة ، هذا البخل الذي يمنعه من الانفتاح على الآخرين في مواقع العطاء ، فينعكس ذلك على نظرته العامة للحياة وللمسؤولية في حركة الواقع من حوله.
(قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي) التي تشتمل على نعم لا تعد ولا تحصى ولا تنفد ، مهما أنفقتم منها ... (إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ) ومنعتم الناس من الاستفادة منها ، (خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) وذلك لما تتميز به طبيعة البخل الذاتي من الخوف المعقّد من نتائج الإنفاق على طبيعة المستقبل ، في الوقت الذي لا يحمل فيه الواقع أيّ أساس للخوف. (وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً) ضيقا بخيلا ، مبالغا في الإمساك ، فلا ينفتح على خير ، ولا يركن إلى أساس من وعي وانفتاح ، وقد يدفعه ذلك إلى أن يعيش الإمساك في مجالات الفكر والمعرفة والهدى ، فلا يريد أن ينفق على نفسه أو على غيره من العلم الذي بين يديه ، فيساهم في إضلال نفسه وإضلال الآخرين.
* * *