وتنحرف به عن الاتجاه السليم ، بما لا ينسجم مع مصلحة الإنسان في نظام حياته. فالله لم يرد للإنسان أن يعيش الغريزة الجنسية بشكل فوضويّ ، كما لو كانت استجابة سريعة لحالة طارئة في حجم اللحظة التي سرعان ما تأتي وتذهب من دون أن تتعمق في حياته ، بل أراد له أن يعيشها في عمق المعنى الإنساني للعلاقات ، بحيث يشعر معها بالهدوء والاستقرار والطمأنينة ، وتمتزج فيها المادة بالروح ، وتحقق له نوعا من النظام المتوازن الذي تتحرك فيه هذه العلاقة ، إذ في الوقت الذي تشبع الغريزة في جوّ نفسيّ هادئ مستقر تغمره المودة والرحمة ، يبدأ مجتمع صغير بالتشكل انطلاقا من علاقة روحية وجسدية تلتقي فيها الزوجية بالأمومة والأبوّة ، لإنشاء نظام الأسرة الذي يجد فيه الجميع المحضن الذي يرعى العاطفة وينمي الحنان ويوحي بالترابط الإنساني في نطاق المحبة ، ويتحرك ـ بالتالي ـ في اتجاه التأكيد على المسؤولية التي تتوزع على الجميع ، ليمارس كل فرد فيها دوره في حركة الحياة ، لتكون بمثابة المدرسة الأولى في حمل المسؤولية العامة ، من خلال التدريب على ممارستها في الإطار الخاص.
* * *
(هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ)
إن الزواج ـ في الإسلام ـ ليس مجرد شركة حياة تعاقدية ، بل يمثل وحدة حياة روحية ومادية ، وذلك ما عبرت عنه الآية الكريمة (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ) [البقرة : ١٨٧]. وهذا ما أراد الإسلام أن يبني الحياة الاجتماعية عليه. وفي هذا المجال جعل نداء الغريزة الذي يصرخ في جسد المرأة والرجل ، بمثابة القوة التي تدفع الإنسان إلى الاتصال بالآخر ، فتدعوه إلى تعميق الصلة به وتوثيقها برباط وثيق ليعيش الخفقة واللهفة مع اللذة ، ولتستمر معه الحياة حلوة رقيقة منفتحة ، فلا تعود الغريزة في حاجة الجسد خاضعة للّحظة ، بل