ذكر الله في التوجيه الإسلامي
(سُبْحانَ الَّذِي) يفيد معنى التنزيه لله تعالى عن كل ما لا يليق بساحة قدسه وذاته من الصفات ، وبالتالي تعظيمه وتقديسه كما يليق به وبما يليق به من صفات الجلال والجمال. من هنا فإن كلمة التسبيح ، لا يمكن أن تصدر إلا عن فكر وروح وشعور عميق بالعظمة المطلقة لله تعالى ، وذلك من خلال ما يتحسسه الإنسان في نفسه عند ما يذكر اسم الله ، أو عند ما يتذكر بعض مظاهر عظمة خلقه ، أو الأفعال التي تتمثل فيها عجائب قدرته ... وهذا أسلوب تربويّ قرآنيّ ، يستهدف صنع الشخصية الإسلامية ، التي تعيش الحضور الدائم لله في أعماق كيانها ، وفي مفردات حياتها بشكل فاعل وحسّاس وواع بعظمته تعالى في كل ما يحيط به من أكوان ، وفي كل ما يستثيره في فكره من أفعال الله في الحياة ، وذلك في حركة تعبيريّة موحية ، يتمثل فيها الذكر بالكلمة التي تعبّر عن المبدأ المتمثل في لفظ المصدر «سبحان» الذي هو مصدر للتسبيح قائم مقام الفعل ، ككل مفعول مطلق يقوم مقام فعله ، في ما يراد التعبير عنه بأن الفكرة تبرز ككائن حيّ مستقلّ ، بعيدا عن كونها انفعالا صادرا عن فاعل.
وتلك هي مهمّة الحركة التعبيرية في ذكر الله في التوجيه الإسلامي ، أن تنطلق لتعبئة الداخل الإنساني بالطاقة الروحية المنفتحة على الله ، في كل ما تمثله الكلمة من الجلال المطلق ، والكمال اللّامحدود ، ليبقى الإنسان مع الله في كل مكان وزمان ، فلا يغيب عنه في أيّة انطلاقة للمسؤولية في حركة الحياة. وهكذا كانت كلمة التسبيح في هذا السورة نافذة مفتوحة على مظهر قدرة الله في قضية الإسراء التي تمثّل المعجزة الكبيرة عبر تحدّيها المألوف في حركة السير وفي أدواته وفي زمانه ، مما يحتاج إلى وقت طويل يتعدّى الشهر ، وذلك ما تعارف عليه الناس من قطع المسافة بين مكة وبيت المقدس.
* * *