علم مطلق
(قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي) والبحر هو الامتداد المائي الواسع العميق الذي قد يخيل للإنسان أنه لا نهاية له في سطحه ولا قعر له في عمقه. والمداد هو هذا السائل الملوّن الذي يستعمل للكتابة. وبذلك تتضح الصورة في وضوح الامتداد الذي يلتقي بالمطلق في سعته وشموله وعمقه ، فكيف تكون النتيجة في تحوّل البحر إلى مداد يكتب ويكتب ويكتب ... وينتهي البحر ، وتبقى الكلمات تبحث عن مداد جديد ، فلو كانت الفرضية صحيحة وكان البحر مدادا لكلمات ربي ، (لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي) لأن الله يخلق في كل لحظة شيئا جديدا ، ويبدع في كل آن علما جديدا. وتتحول المسألة إلى حقيقة متحركة تلهث وراء الجديد ، ونأتي ببحر جديد لا ساحل له في النظرة الساذجة ، ويتحول إلى مداد ... وتبقى الكلمات تبحث عن مداد جديد ، لأن جديدها يفرض نفسه على الحياة والإنسان (وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً).
وهكذا ينطلق التصور البشري للمطلق من خلال المحدود ، ويقف الإنسان حائرا أمام الحقيقة المطلقة ، ليجد نفسه عاجزا عن الوصول إلى أيّة نتيجة إيجابية حاسمة في هذا الاتجاه ، في حدود المعرفة الإنسانية ، الأمر الذي يوحي للإنسان بالتواضع أمام العلم المطلق ، والإرادة المطلقة ، والقدرة المطلقة ... مهما ملك العالمون من أسباب العلم ومهما وصلوا إليه من مفرداته ، لأن ذلك كله عبارة عن بعض خلق الله ، في ما صنعه الله في خلقه ، وما أوحى به للإنسان من علمه ، فكيف يمكن له أن يطغى في علمه ، أو في قدرته؟!