ما مدى علم النبي؟
وهذا حديث عن مدى علم النبي في سعته وشموله ، فهل من الضروري أن يملك علم كل شيء ، أو أن المسألة تقتصر على ما أراد الله له أن يعلمه في ما يختص بتبليغ رسالته وما تحتاجه من معرفة التفاصيل؟ فقد ذهب البعض إلى ضرورة إحاطة النبي بعلم كل شيء ، بما في ذلك مفردات العلوم الطبيعية ، والقضايا الجزئية ، لأن النبي يمثل الشخص الذي يجب على كل الناس أن يطيعوه ويقتدوا به ، فلا بد من أن يكون أعلم الجميع ، لأن العقل لا يجوّز إمامة الجاهل للعالم ، ولو في الموارد الخاصة.
ولكن هناك رأيا آخر ، يقول : إن العقل لا يفرض ، في مسألة القيادة والإمامة والطاعة ، إلا أن يكون الشخص الذي يتحمل هذه المسؤوليات محيطا بالجوانب المتصلة بمسؤولياته ، في ما لا يحيط به الناس إلا من خلاله ، أما الجوانب الأخرى من جزئيات حياتهم العامة ، أو من مفردات علوم الحياة والإنسان ، أو من خفايا الأمور البعيدة عن عالم المسؤولية ، أما هذه الجوانب ، فلا دليل على ضرورة إحاطته بها ، ولا يمنع العقل أن يكون لشخص حق الطاعة ـ في بعض الأمور التي يحيط بها ـ على الناس الذين يملكون إحاطة في أشياء أخرى لا يحيط بها ولا تتعلق بحركة المسؤولية.
وربما كانت هذه القصة دليلا على صحة هذا الرأي الذي نميل إليه ، كما يميل إليه بعض العلماء القدامى ، لأنه يلتقي بالجو القرآني الذي يتحدث عن الأنبياء بطريقة معينة بعيدة عما اعتاده الناس في نظرتهم إليهم من خلال الأسرار الخفيّة والكمال القريب من المطلق.
* * *