بصاحبه في حساب القيم ، ولا يرى فيه ضمانة قويّة للمستقبل تبعث على الاطمئنان به والاستسلام له ، لأن كل شيء في الدنيا معرّض للزوال بين لحظة وأخرى ، بينما الله هو الثابت الوحيد ، منه نأخذ القوة ، لأنه مصدر القوة في الوجود وفي معطياته ، وهو أساس الثقة بالمستقبل ، كما كان أساس الثقة بالماضي.
ونراه يقف ـ في حوارة مع صاحبه ـ في موقع الإنسان الرسالّي الذي يستنكر على هذا الغني المزهوّ بغناه ، كفره باليوم الآخر ونسيانه لله ، ويبدأ في تذكيره بنعم الله عليه ، وحاجته إليه في كل شيء ، ليبقى مشدودا إليه في حال الإحساس بالقوّة ، كما يشعر بالارتباط به في حال الإحساس بالضعف ، لأن القوّة به ، يهبها لمن يشاء ، ويسلبها ممن يشاء.
* * *
موقف المؤمن الرسالي من الركون إلى الدنيا
(قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) ثم كما لو كانت الحياة قد وجدت صدفة ، وتحركت من اللاشيء ، وليس لها خالق ومدبّر. كيف تتكلم بهذه الطريقة التي تجعلك تستغرق في ذاتك وفي مالك ، من دون أن تتحسس مسئوليتك أمام الله؟ كيف وجدت؟ ألم تكن ترابا ، ثم تحوّلت إلى نطفة ، ثم امتدت عملية النموّ حتى تحولت إلى مخلوق سويّ ، ثم صرت رجلا؟! فمن الذي خلقك ، هل خلقت نفسك أم خلقك أحد؟ هل هناك غير الله الذي خلقنا وكلّفنا تحمّل مسئولية الحياة؟ ولكنك استسلمت لنزواتك بعد أن رأيت الإيمان يحملك المسؤولية في