قالوا : فما المسألة الرابعة؟ قالوا : سلوه متى تقوم الساعة! فإن ادعى علمها فهو كاذب ، فإن قيام الساعة لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى.
فرجعوا إلى مكة واجتمعوا إلى أبي طالب فقالوا : يا أبا طالب إن ابن أخيك يزعم أن خبر السماء يأتيه ونحن نسأله عن مسائل فإن أجابنا عنها علمنا أنه صادق وإن لم يخبرنا علمنا أنه كاذب فقال أبو طالب : سلوه عما بدا لكم ، فسألوه عن الثلاث المسائل.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : غدا أخبركم ولم يستثن ، فاحتبس الوحي عنه أربعين يوما اغتم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وشك أصحابه الذين كانوا آمنوا به ، وفرحت قريش واستهزءوا وآذوا ، وحزن أبو طالب.
فلما كان بعد أربعين يوما ، نزل عليه سورة الكهف ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا جبرائيل لقد أبطأت ، فقال : إنا لا نقدر أن ننزل إلا بإذن الله ، فأنزل الله تعالى : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) ثم قصّ قصّتهم (١).
* * *
بين قصّة أهل الكهف والغيب الإلهي
وهذا نموذج للناس الذين انطلقوا إلى الحياة من موقع الرسالة ، التي تؤكد نفسها بالممارسة والعمل ، في مواجهة الناس الذين اختنقوا في داخلها وتجمّدوا في دائرتها ، فلم يتحركوا بعيدا عنها. ولكن ميزة هؤلاء المؤمنين أن الله قد أدخل في قصتهم عنصر الغيب ، الذي يبعث على الدهشة ويدعو إلى الاستغراب ، فقد أنامهم الله مدة طويلة ، ثم أحياهم من جديد لحكمة خفيّة ، من خلال ما يريده من إثارة الأمور الخارقة للعادة في الحياة.
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٣ ، ص : ٢٧٥ ـ ٢٧٦.