وإذا صحت هذه الرواية ، فإنها تدل على أنه قد عاش الدعوة إلى الله في حياته ، من موقع المعاناة في خط التحدي والتحدي المضاد ، مما جعله عرضة للاضطهاد ، كما هي حال الكثيرين من المصلحين المجاهدين الذين يعيشون الضعف الذاتي والمادي في مجتمعهم ، فيتعرّضون للضرب والاضطهاد من طغاة زمانهم ، ولكنه قد أخذ بأسباب القوة ، حتى أصبح يطوف البلاد من موقع القوة الضاغطة الكبيرة.
ولعل القرآن لا يستهدف من الحديث عنه إلا الجانب الإيحائي الذي يوحي بالعبرة في ما يتمثل في ملامحه من قوة الإيمان ، وقوة الشخصية ، وحركة المسؤولية الحاسمة أمام حالات الانحراف أو الاستقامة وتحريك القوة في معاونة الضعفاء ، والابتعاد عن النوازع المادية في ما يقوم به من جهد تجاههم.
وربما كان هذا هو النهج في القصص القرآني ، الذي لا يفيض في الحديث عن التفاصيل ، فيقتصر على رسم ملامح الصورة عن الأشخاص الذين يتحدث عنهم ، لأنه لا يعتبر القصة ملهاة لإثارة الفضول وإشباعه ، لتكون الأمور الجزئية التفصيلية أساسا في حركة القصة ، بل يراها درسا فكريا أو عمليا ، من خلال ما توحي به الملامح البارزة التي تمثل حركة القضية المطروحة في السير العملي للشخصيات. وقد نحتاج إلى استلهام هذا النهج في كتابة التاريخ ، لأن ما نستفيده للمستقبل من عبرة لا يحتاج إلى سرد الكثير من تفاصيله ، وبذلك نبتعد عن الاستغراق في الملامح الذاتية للشخص العظيم ، نبيا كان أو إماما أو وليا أو زعيما صالحا ، إلا في ما يتصل بالمعنى الرسالي أو القيادي من ذلك.
* * *