الحشر والمصير
(وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ) فتزول عن مواقعها ، وتفقد تماسكها ، وتتفتت أحجارها وصخورها ، وتتحوّل إلى تراب خفيف يطير مع الرياح ، وتصير هباء. (وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً) بجميع جهاتها ونواحيها ، فلا يتوقف النظر أمام حاجز ، ولا يحجبه عنها أيّ ساتر ، بل هو الامتداد المنبسط الذي يحتوي الأفق كله في نظرة واحدة ممتدة. (وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً) إنه يوم الحشر للحساب الذي تفيق فيه الخلائق كلها من الأولين والآخرين ، وهم شاخصون بأبصارهم وأفكارهم ومشاعرهم إلى الله ، ليواجهوا اللحظة الحاسمة في مسألة المصير.
(وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا) واحدا يمثل التساوي في كل المواقع الذاتية ، فلا تفاضل بنسب ، ولا جاه ، ولا مال ، ولا جمال ، ولا غير ذلك مما كانوا يتفاضلون فيه في الدنيا ويختلفون حوله ، وليس لهم في هذا الموقف إلا العمل ، وبذلك يكتشفون سقوط الامتيازات الدنيوية في عمق القيمة الروحية الإلهية. (لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) فقد دخلتم الدنيا من دون أن تحملوا إليها أشياءها التي تمثل زينتها الخادعة الفانية ، وقد خرجتم منها وأتيتم إلى ربكم من دون أن يكون معكم شيء منها. وتلك هي حقيقة العلاقة التي تربطكم بها ، أو تربطها بكم ، مما يوحي إليكم أنها تمثل معنى الحاجة في الحياة ، ودور الحالة الطارئة التي تتحرك في السطح من حياة الإنسان دون العمق.
(بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً) وخيّل إليكم ، في استغراقكم في هذه الأمور وانجذابكم إليها ، واستمتاعكم بها ، أنكم خالدون معها ، وأنها خالدة لكم ، وأن الحياة ستمتد بكم إلى ما لا نهاية ، أو أنها ستنتهي إلى اللاشيء ، لأنكم لم تكتشفوا العلاقة الحقيقية بالله من خلال وجودكم في الدنيا ، أو من خلال حركة الحياة في هذا الوجود ، في حاجاتها وأوضاعها ،