دون النفاذ إلى العمق ، فيؤدي به ذلك إلى فقدان التوازن في النظرة والموقف.
(وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ) فأعطيناه الصحة والأمن والمال ، وسهّلنا له أمور الحياة ، فأصبح في المستوى الكبير من الراحة والنعيم والعلوّ في الموقع ... (أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ) وتولّى عن الله ، وابتعد عنه ، وانقطع عن الاتصال به ، كمن يعرض بوجهه عن صاحبه ويتخذ لنفسه موقعا بعيدا عنه ، في تعبير عن انقطاع الصلة الحميمة به ، أو عن العلو والاستكبار ... فينسى الله ، ويغفل عن عمق الصلة الكونية التي تربط كل شيء من حوله به ـ تعالى ـ في ما يتقلّب فيه من النعم ، أو ما يتحرك فيه من الأوضاع ، فليس هناك نعمة إلّا من الله خالق كل شيء. ولكن المشكلة في الإنسان ، أنه لا يتعمّق في خصائص الواقع في نظرة تأمل وتفكير ليخلص إلى أنه لا يملك لنفسه ضرّا ولا نفعا ، كما لا يملك أيّ شيء في الحياة إلا بالله ، مما يفرض عليه أن يفكر بالله في كل موقع من مواقع النعمة ، وفي كل مظهر من مظاهر النجاح ، حتى طاقاته الفكرية والجسدية ، التي يحركها في سبيل الحصول على موارد الحياة ، فهي مظهر لقدرة الله في تنظيم وجوده الجسدي والعقلي ، الذي تتحرك أجهزته بقدرة الله ، ولذا فإن عليه أن لا يستسلم للغفلة وللشعور بالذاتية ولشعور القوّة والاستقلال عن الله عند ما يواجه مواقع القدرة والنعمة في حياته ، لأن الله الذي خلقها قادر أن يجمّدها في أيّة لحظة.
(وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً) وهذه هي النتيجة للارتباط الكلي بالعناصر المادية المحيطة به ، والانشداد إليها كمصدر وحيد للقوّة ، فإذا انفصلت عنه ، وانطلقت الظروف المعاكسة التي تثير في حياته الخوف والجوع والفقر ، فإنه يسقط أمامها ويستسلم لليأس ، وربما تؤدّي به الصدمة إلى الهلاك ، لأنه يجد أبواب الأمل موصدة أمامه ، ونوافذ الحياة مغلقة في وجهه. وقد تتحرك الصدمة في اتجاه آخر ، فتهز مشاعره ، وتزيل الضباب عن عينيه ، وتفتح قلبه على الله في قدرته المطلقة على حماية الإنسان من حيث لا يشعر ، ورزقه من