(أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) أولى بأن تصلي فيه. (فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) من المعاصي والخصال المذمومة طلبا لمرضاة الله سبحانه وتعالى ، وقيل من الجنابة فلا ينامون عليها. (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) يرضى عنهم ويدنيهم من جنابه تعالى إدناء المحب حبيبه. قيل لما نزلت مشى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومعه المهاجرون حتى وقف على باب مسجد قباء فإذا الأنصار جلوس فقال عليه الصلاة والسلام : «أمؤمنون أنتم»؟ فسكتوا .. فأعادها فقال عمر : إنهم مؤمنون وأنا معهم ، فقال عليه الصلاة والسلام : «أترضون بالقضاء»؟ قالوا : نعم. قال عليه الصلاة والسلام : «أتصبرون على البلاء»؟ قالوا : نعم ، قال : «أتشكرون في الرخاء»؟ قالوا : نعم. فقال صلىاللهعليهوسلم : «أنتم مؤمنون ورب الكعبة». فجلس ثم قال : «يا معشر الأنصار إن الله عزوجل قد أثنى عليكم فما الذي تصنعون عند الوضوء وعند الغائط»؟ فقالوا : يا رسول الله نتبع الغائط الأحجار الثلاثة ثم نتبع الأحجار الماء فتلا (فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا).
(أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(١٠٩)
(أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ) بنيان دينه. (عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ) على قاعدة محكمة هي التقوى من الله وطلب مرضاته بالطاعة. (أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ) على قاعدة هي أضعف القواعد وأرخاها. (فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ) فأدى به لخوره وقلة استمساكه إلى السقوط في النار ، وإنما وضع شفا الجرف وهو ما جرفه الوادي الهائر في مقابلة التقوى تمثيلا لما بنوا عليه أمر دينهم في البطلان وسرعة الانطماس ، ثم رشحه بانهياره به في النار ووضعه في مقابلة الرضوان تنبيها على أن تأسيس ذلك على أمر يحفظه من النار ويوصله إلى رضوان الله ومقتضياته التي الجنة أدناها ، وتأسيس هذا على ما هم بسببه على صدد الوقوع في النار ساعة فساعة ثم إن مصيرهم إلى النار لا محالة. وقرأ نافع وابن عامر (أُسِّسَ) على البناء للمفعول. وقرئ «أساس بنيانه» و «أسس بنيانه» على الإضافة و «أسس» و «آساس» بالفتح والمد و «إساس» بالكسر وثلاثتها جمع أس ، و «تقوى» بالتنوين على أن الألف للإلحاق لا للتأنيث كتترى ، وقرأ ابن عامر وحمزة وأبو بكر (جُرُفٍ) بالتخفيف. (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) إلى ما فيه صلاحهم ونجاتهم.
(لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(١١٠)
(لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا) بناؤهم الذي بنوه مصدر أريد به المفعول وليس بجمع ولذلك قد تدخله التاء ووصف بالمفرد وأخبر عنه بقوله : (رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ) أي شكا ونفاقا ، والمعنى أن بناءهم هذا لا يزال سبب شكهم وتزايد نفاقهم فإنه حملهم على ذلك ثم لما هدمه الرسول صلىاللهعليهوسلم رسخ ذلك في قلوبهم وازداد بحيث لا يزول وسمه عن قلوبهم. (إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ) قطعا بحيث لا يبقى لها قابلية الإدراك والإضمار وهو في غاية المبالغة والاستثناء. من أعم الأزمنة. وقيل المراد بالتقطع ما هو كائن بالقتل أو في القبر أو في النار. وقيل التقطع بالتوبة ندما وأسفا. وقرأ يعقوب «إلى» بحرف الانتهاء و (تَقَطَّعَ) بمعنى تتقطع وهو قراءة ابن عامر وحمزة وحفص. وقرئ «يقطع» بالياء و «تقطع» بالتخفيف و «تقطع قلوبهم» على خطاب الرسول ، أو كل مخاطب ولو قطعت ولو قطعت على البناء للفاعل والمفعول. (وَاللهُ عَلِيمٌ) بنياتهم. (حَكِيمٌ) فيما أمر بهدم بنيانهم.
(إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ