(وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) أي أقسم لهما على ذلك ، وأخرجه على زنة المفاعلة للمبالغة. وقيل أقسما له بالقبول. وقيل أقسما عليه بالله أنه لمن الناصحين فأقسم لهما فجعل ذلك مقاسمة.
(فَدَلَّاهُما) فنزلهما إلى الأكل من الشجرة ، نبه به على أنه أهبطهما بذلك من درجة عالية إلى رتبة سافلة ، فإن التدلية والإدلاء إرسال الشيء من أعلى إلى أسفل. (بِغُرُورٍ) بما غرهما به من القسم فإنهما ظنا أن أحدا لا يحلف بالله كاذبا ، أو ملتبسين بغرور. (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) أي فلما وجدا طعمها آخذين في الأكل منها أخذتهما العقوبة وشؤم المعصية ، فتهافت عنهما لباسهما وظهرت لهما عوراتهما. واختلف في أن الشجرة كانت السنبلة أو الكرم أو غيرهما ، وأن اللباس كان نورا أو حلة أو ظفرا. (وَطَفِقا يَخْصِفانِ) أخذا يرقعان ويلزقان ورقة فوق ورقة. (عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) قيل كان ورق التين ، وقرئ «يخصفان» من أخصف أي يخصفان أنفسهما ويخصفان من خصف ويخصفان وأصله يختصفان. (وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ) عتاب على مخالفة النهي ، وتوبيخ على الاغترار بقول العدو. وفيه دليل على أن مطلق النهي للتحريم.
(قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) (٢٤)
(قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) أضررناها بالمعصية والتعريض للإخراج من الجنة. (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) دليل على أن الصغائر معاقب عليها إن لم تغفر. وقالت المعتزلة لا تجوز المعاقبة عليها مع اجتناب الكبائر ولذلك قالوا : إنما قالا ذلك على عادة المقربين في استعظام الصغير من السيئات واستحقار العظيم من الحسنات.
(قالَ اهْبِطُوا) الخطاب لآدم وحواء وذريتهما ، أو لهما ولإبليس. كرر الأمر له تبعا ليعلم أنهم قرناء أبدا وأخبر عما قال لهم متفرقا. (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) في موضع الحال أي معتادين. (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) استقرار أي موضع استقرار. (وَمَتاعٌ) وتمتع. (إِلى حِينٍ) إلى أن تقضى آجالكم.
(قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (٢٥) يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)(٢٦)
(قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ) للجزاء وقرأ حمزة والكسائي وابن ذكوان (وَمِنْها تُخْرَجُونَ) ، وفي «الزخرف» (كَذلِكَ تُخْرَجُونَ) بفتح التاء وضم الراء.
(يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً) أي خلقناه لكم بتدبيرات سماوية وأسباب نازلة ، ونظيره قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ) وقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ). (يُوارِي سَوْآتِكُمْ) التي قصد الشيطان إبداءها ، ويغنيكم عن خصف الورق. روي : أن العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة ويقولون لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها ، فنزلت. ولعله ذكر قصة آدم مقدمة لذلك حتى يعلم أن انكشاف العورة أول سوء أصاب الإنسان من الشيطان ، وأنه أغواهم في ذلك كما أغوى أبويهم. (وَرِيشاً) ولباسا تتجملون به ، والريش الجمال. وقيل مالا ومنه تريش الرجل إذا تموّل. وقرئ «رياشا» وهو جمع ريش كشعب وشعاب. (وَلِباسُ التَّقْوى) خشية الله. وقيل الإيمان. وقيل السمت الحسن. وقيل لباس الحرب ورفعه بالابتداء وخبره : (ذلِكَ خَيْرٌ) أو خير وذلك صفته كأنه قيل : ولباس التقوى المشار إليه خير. وقرأ نافع وابن عامر والكسائي (وَلِباسُ التَّقْوى) بالنصب عطفا على (لِباساً). (ذلِكَ) أي إنزال اللباس. (مِنْ آياتِ اللهِ) الدالة على فضله ورحمته. (لَعَلَّهُمْ