الواحد. وقيل إنه تكذيب لهم في حلفهم بالله (إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ) وتقرير لقولهم (وَما هُمْ مِنْكُمْ) وما بعده كالدليل عليه ، فإنه يدل على مضادة حالهم لحال المؤمنين وهو قوله : (يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ) بالكفر والمعاصي. (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) عن الإيمان والطاعة. (وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ) عن المبار ، وقبض اليد كناية عن الشح. (نَسُوا اللهَ) أغفلوا ذكر الله وتركوا طاعته. (فَنَسِيَهُمْ) فتركهم من لطفه وفضله. (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) الكاملون في التمرد والفسوق عن دائرة الخير.
(وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) مقدرين الخلود. (هِيَ حَسْبُهُمْ) عقابا وجزاء وفيه دليل على عظم عذابها. (وَلَعَنَهُمُ اللهُ) أبعدهم من رحمته وأهانهم. (وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) لا ينقطع والمراد به ما وعدوه أو ما يقاسونه من تعب النفاق.
(كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ)(٦٩)
(كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي أنتم مثل الذين ، أو فعلتم مثل فعل الذين من قبلكم. (كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) بيان لتشبيههم بهم وتمثيل حالهم بحالهم. (فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ) نصيبهم من ملاذ الدنيا ، واشتقاقه من الخلق بمعنى التقدير فإنه ما قدر لصاحبه. (فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ) ذم الأولين باستمتاعهم بحظوظهم المخدجة من الشهوات الفانية والتهائهم بها عن النظر في العاقبة والسعي في تحصيل اللذائذ الحقيقية تمهيدا لذم المخاطبين بمشابهتهم واقتفاء أثرهم. (وَخُضْتُمْ) ودخلتم في الباطل. (كَالَّذِي خاضُوا) كالذين خاضوا ، أو كالفوج الذي خاضوا ، أو كالخوض الذي خاضوه. (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) لم يستحقوا عليها ثوابا في الدارين. (وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) الذين خسروا الدنيا والآخرة.
(أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(٧٠)
(أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ) أغرقوا بالطوفان. (وَعادٍ) أهلكوا بالريح. (وَثَمُودَ) أهلكوا بالرجفة. (وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ) أهلك نمروذ ببعوض وأهلك أصحابه. (وَأَصْحابِ مَدْيَنَ) وأهل مدين وهم قوم شعيب أهلكوا بالنار يوم الظلة. (وَالْمُؤْتَفِكاتِ) قريات قوم لوط ائتفكت بهم أي انقلبت بهم فصار عاليها سافلها ، وأمطروا حجارة من سجيل ، وقيل قريات المكذبين المتمردين وائتفاكهن انقلاب أحوالهن من الخير إلى الشر. (أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ) يعني الكل. (بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) أي لم يك من عادته ما يشابه ظلم الناس كالعقوبة بلا جرم. (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) حيث عرضوها للعقاب بالكفر والتكذيب.
(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(٧١)
(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) في مقابلة قوله (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) في سائر الأمور. (أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ) لا محالة فإن السين مؤكدة للوقوع. (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) غالب على كل شيء لا يمتنع