التأنيث إلى صيغة التذكير ، وإنما قال (عَلَيْها) والمذكور شيئان لأن المراد بهما دنانير ودراهم كثيرة كما قال علي رضي الله تعالى عنه : أربعة آلاف وما دونها نفقة وما فوقها كنز. وكذا قوله تعالى : (وَلا يُنْفِقُونَها) وقيل الضمير فيهما للكنوز أو للأموال فطن الحكم عام وتخصيصهما بالذكر لأنهما قانون التمول ، أو للفضة وتخصيصها لقربها ودلالة حكمها على أن الذهب أولى بهذا الحكم. (فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ) لأن جمعهم وإمساكهم إياه كان لطلب الوجاهة بالغنى والتنعم بالمطاعم الشهية والملابس البهية ، أو لأنهم ازوروا عن السائل وأعرضوا عنه وولوه ظهورهم ، أو لأنها أشرف الأعضاء الظاهرة فإنها المشتملة على الأعضاء الرئيسية التي هي الدماغ والقلب والكبد ، أو لأنها أصول الجهات الأربع التي هي مقاديم البدن ومآخيره وجنباه. (هذا ما كَنَزْتُمْ) على إرادة القول. (لِأَنْفُسِكُمْ) لمنفعتها وكان عين مضرتها وسبب تعذيبها. (فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) أي وبال كنزكم أو ما تكنزونه وقرئ «تكنزون» بضم النون.
(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)(٣٦)
(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ) أي مبلغ عددها. (عِنْدَ اللهِ) معمول عدة لأنها مصدر. (اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ) في اللوح المحفوظ ، أو في حكمه وهو صفة لاثني عشر ، وقوله : (يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) متعلق بما فيه من معنى الثبوت أو بالكتاب إن جعل مصدرا والمعنى : أن هذا أمر ثابت في نفس الأمر مذ خلق الله الأجرام والأزمنة. (مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) واحد فرد وهو رجب وثلاثة سرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم. (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) أي تحريم الأشهر الأربعة هو الدين القويم دين إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام والعرب ورثوه منهما. (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) بهتك حرمتها وارتكاب حرامها والجمهور على أن حرمة المقاتلة فيها منسوخة ، وأولوا الظلم بارتكاب المعاصي فيهن فإنه أعظم وزرا كارتكابها في الحرم وحال الإحرام ، وعن عطاء أنه لا يحل للناس أن يغزوا في الحرم وفي الأشهر الحرم إلا أن يقاتلوا ويؤيد الأول ما روي (أنه عليه الصلاة والسلام حاصر الطائف وغزا هوازن بحنين في شوال وذي القعدة). (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) جميعا وهو مصدر كف عن الشيء فإن الجميع مكفوف عن الزيادة وقع موقع الحال. (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) بشارة وضمان لهم بالنصرة بسبب تقواهم.
(إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ)(٣٧)
(إِنَّمَا النَّسِيءُ) أي تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر ، كانوا إذا جاء شهر حرام وهم محاربون أحلوه وحرموا مكانه شهرا آخر حتى رفضوا خصوص الأشهر واعتبروا مجرد العدد ، وعن نافع برواية ورش إنما النسي بقلب الهمزة ياء وإدغام الياء فيها. وقرئ «النسي» بحذفها و «النسء» و «النساء» وثلاثتها مصادر نسأه إذا أخره. (زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) لأنه تحريم ما أحله الله وتحليل ما حرمه الله فهو كفر آخر ضموه إلى كفرهم. (يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) ضلالا زائدا. وقرأ حمزة والكسائي وحفص (يُضَلُ) على البناء للمفعول ، وعن يعقوب (يُضَلُ) على أن الفعل لله تعالى. (يُحِلُّونَهُ عاماً) يحلون المنسي من الأشهر الحرم سنة ويحرمون مكانه شهرا آخر. (وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً) فيتركونه على حرمته. قيل : أول من أحدث ذلك جنادة بن عوف الكناني كان يقوم على جمل في الموسم فينادي : إن آلهتكم قد أحلت لكم المحرم فأحلوه ثم ينادي في القبائل إن آلهتكم قد حرمت عليكم المحرم فحرموه. والجملتان تفسير للضلال أو حال. (لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ) أي ليوافقوا عدة الأربعة المحرمة ، واللام متعلقة