به ، فعدلوا عن معارضته إلى المعاداة والمقاتلة فما يمنعكم أن تعارضوهم وتصادموهم. (أَتَخْشَوْنَهُمْ) أتتركون قتالهم خشية أن ينالكم مكروه منهم. (فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ) فقاتلوا أعداءه ولا تتركوا أمره. (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فإن قضية الإيمان أن لا يخشى إلا منه.
(قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(١٥)
(قاتِلُوهُمْ) أمر بالقتال بعد بيان موجبه والتوبيخ على تركه والتوعد عليه. (يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ) وعد لهم إن قاتلوهم بالنصر عليهم والتمكن من قتلهم وإذلالهم. (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) يعني بني خزاعة. وقيل بطونا من اليمن وسبأ قدموا مكة فأسلموا فلقوا من أهلها أذى شديدا فشكوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «أبشروا فإن الفرج قريب».
(وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ) لما لقوا منهم وقد أوفى الله بما وعدهم والآية من المعجزات. (وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) ابتداء إخبار بأن بعضهم يتوب عن كفره وقد كان ذلك أيضا ، وقرئ «ويتوب» بالنصب على إضمار أن على أنه من جملة ما أجيب به الأمر فإن القتال كما تسبب لتعذيب قوم تسبب لتوبة قوم آخرين. (وَاللهُ عَلِيمٌ) بما كان وما سيكون. (حَكِيمٌ) لا يفعل ولا يحكم إلا على وفق الحكمة.
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ)(١٦)
(أَمْ حَسِبْتُمْ) خطاب للمؤمنين حين كره بعضهم القتال. وقيل للمنافقين و (أَمْ) منقطعة ومعنى الهمزة فيها التوبيخ على الحسبان. (أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) ولم يتبين الخلص منكم وهم الذين جاهدوا من غيرهم ، نفى العلم وأراد نفي المعلوم للمبالغة فإنه كالبرهان عليه من حيث إن تعلق العلم به مستلزم لوقوعه. (وَلَمْ يَتَّخِذُوا) عطف على (جاهَدُوا) داخل في الصلة. (مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) بطانة يوالونهم ويفشون إليهم أسرارهم. وما في (لَمَّا) من معنى التوقع منبه على أن تبين ذلك متوقع. (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) يعلم غرضكم منه وهو كالمزيج لما يتوهم من ظاهر قوله : (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ).
(ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ)(١٧)
(ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ) ما صح لهم. (أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) شيئا من المساجد فضلا عن المسجد الحرام وقيل هو المراد وإنما جمع لأنه قبلة المساجد وإمامها فعامره كعامر الجميع ويدل عليه قراءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب بالتوحيد. (شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ) بإظهار الشرك وتكذيب الرسول ، وهو حال من الواو والمعنى ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متنافيين عمارة بيت الله وعبادة غيره. روي (أنه لما أسر العباس عيره المسلمون بالشرك وقطيعة الرحم وأغلظ له علي رضي الله تعالى عنه في القول فقال : ما بالكم تذكرون «مساوينا» وتكتمون محاسننا إنا لنعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقي الحجيج ونفك العاني) فنزلت. (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) التي يفتخرون بها بما قارنها من الشرك. (وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ) لأجله.
(إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ