(وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ) بالاستعباد وذبح الأبناء من مستضعفيهم. (مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا) يعني أرض الشام ملكها بنو إسرائيل بعد الفراعنة والعمالقة وتمكنوا في نواحيها. (الَّتِي بارَكْنا فِيها) بالخصب وسعة العيش. (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) ومضت عليهم واتصلت بالإنجاز عدته إياهم بالنصرة والتمكين وهو قوله تعالى : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَ) إلى قوله : (ما كانُوا يَحْذَرُونَ) وقرئ «كلمات ربك» لتعدد المواعيد (بِما صَبَرُوا) بسبب صبرهم على الشدائد. (وَدَمَّرْنا) وخربنا. (ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ) من القصور والعمارات. (وَما كانُوا يَعْرِشُونَ) من الجنات أو ما كانوا يرفعون من البنيان كصرح هامان وقرأ ابن عامر وأبو بكر هنا وفي «النحل» (يَعْرِشُونَ) بالضم. وهذا آخر قصة فرعون وقومه.
(وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)(١٣٨)
وقوله : (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ) وما بعده ذكر ما أحدثه بنو إسرائيل من الأمور الشنيعة بعد أن منّ الله عليهم بالنعم الجسام ، وأراهم من الآيات العظام تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم مما رأى منهم ، وإيقاظا للمؤمنين حتى لا يغفلوا عن محاسبة أنفسهم ومراقبة أحوالهم. روي : أن موسى عليهالسلام عبر بهم يوم عاشوراء بعد مهلك فرعون وقومه فصاموه شكرا. (فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ) فمروا عليهم. (يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ) يقيمون على عبادتها ، قيل كانت تماثيل بقر وذلك أول شأن العجل ، والقوم كانوا من العمالقة الذين أمر موسى بقتالهم. وقيل من لخم ، وقرأ حمزة والكسائي (يَعْكُفُونَ) بالكسر. (قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً) مثالا نعبده. (كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) يعبدونها ، وما كافة للكاف. (قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) وصفهم بالجهل المطلق وأكده لبعد ما صدر عنهم بعد ما رأوا من الآيات الكبرى عن العقل.
(إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٩) قالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ)(١٤٠)
(إِنَّ هؤُلاءِ) إشارة إلى القوم. (مُتَبَّرٌ) مكسر مدمر. (ما هُمْ فِيهِ) يعني أن الله يهدم دينهم الذي هم عليه ويحطم أصنامهم ويجعلها رضاضا (وَباطِلٌ) مضمحل. (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) من عبادتها وإن قصدوا بها التقرب إلى الله تعالى ، وإنما بالغ في هذا الكلام بإيقاع (هؤُلاءِ) اسم (إِنَ) والإخبار عما هم فيه بالتبار وعما فعلوا بالبطلان ، وتقديم الخبرين في الجملتين الواقعتين خبرا لإن للتنبيه على أن الدمار لاحق لما هم فيه لا محالة ، وأن الإحباط الكلي لازب لما مضى عنهم تنفيرا وتحذيرا عما طلبوا.
(قالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً) أطلب لكم معبودا. (وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) والحال أنه خصكم بنعم لم يعطها غيركم ، وفيه تنبيه على سوء معاملتهم حيث قابلوا تخصيص الله إياهم من أمثالهم لما لم يستحقوه تفضلا بأن قصدوا أن يشركوا به أخس شيء من مخلوقاته.
(وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (١٤١) وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)(١٤٢)
(وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) واذكروا صنيعه معكم في هذا الوقت. وقرأ ابن عامر «أنجاكم». (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) استئناف لبيان ما أنجاهم منه ، أو حال من المخاطبين ، أو من آل فرعون أو منهما.