(وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً (٨٦) إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً)(٨٧)
(وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) اللام الأولى موطئة للقسم و (لَنَذْهَبَنَ) جوابه النائب مناب جزاء الشرط. والمعنى إن شئنا ذهبنا بالقرآن ومحوناه من المصاحف والصدور (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً) من يتوكل علينا استرداده مسطورا محفوظا.
(إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) فإنها إن نالتك فلعلها تسترده عليك ، ويجوز أن يكون استثناء منقطعا بمعنى ولكن رحمة من ربك تركته غير مذهوب به ، فيكون امتنانا بإبقائه بعد المنة في تنزيله. (إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً) كإرساله وإنزال الكتاب عليه وإبقائه في حفظه.
(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (٨٨) وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً)(٨٩)
(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ) في البلاغة وحسن النظم وكمال المعنى. (لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) وفيهم العرب العرباء وأرباب البيان وأهل التحقيق ، وهو جواب قسم محذوف دل عليه اللام الموطئة ، ولولا هي لكان جواب الشرط بلا جزم لكون الشرط ماضيا كقول زهير :
وإن أتاه خليل يوم مسألة |
|
يقول لا غائب مالي ولا حرم |
(وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) ولو تظاهروا على الإتيان به ، ولعله لم يذكر الملائكة لأن إتيانهم بمثله لا يخرجه عن كونه معجزا ، ولأنهم كانوا وسائط في إتيانه ، ويجوز أن تكون الآية تقريرا لقوله : (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً).
(وَلَقَدْ صَرَّفْنا) كررنا بوجوه مختلفة زيادة في التقرير والبيان. (لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) من كل معنى هو كالمثل في غرابته ووقوعه موقعها في الأنفس. (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) إلا جحودا ، وإنما جاز ذلك ولم يجز : ضربت إلا زيدا لأنه متأول بالنفي.
(وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً)(٩١)
(وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) تعنتا واقتراحا بعد ما لزمتهم الحجة ببيان إعجاز القرآن وانضمام غيره من المعجزات إليه. وقرأ الكوفيون ويعقوب تفجر بالتخفيف والأرض أرض مكة والينبوع عين لا ينضب ماؤها يفعول من نبع الماء كيعبوب من عب الماء إذا زخر.
(أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً) أو يكون لك بستان يشتمل على ذلك.
(أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً)(٩٣)
(أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً) يعنون قوله تعالى : (أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) وهو كقطع لفظا ومعنى ، وقد سكنه ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب في جميع القرآن إلا في «الروم»