أي ليكونن أحد الأمرين إما إخراجكم من القرية أو عودكم في الكفر ، وشعيب عليه الصلاة والسلام لم يكن في ملتهم قط لأن الأنبياء لا يجوز عليهم الكفر مطلقا ، لكن غلبوا الجماعة على الواحد فخوطب هو وقومه بخطابهم ، وعلى ذلك أجرى الجواب في قوله. (قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ) أي كيف نعود فيها ونحن كارهون لها ، أو أتعيدوننا في حال كراهتنا.
(قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً) قد اختلقنا عليه. (إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها) شرط جوابه محذوف دليله : (قَدِ افْتَرَيْنا) وهو بمعنى المستقبل لأنه لم يقع لكنه جعل كالواقع للمبالغة ، وأدخل عليه قد لتقريبه من الحال أي قد افترينا الآن إن هممنا بالعود بعد الخلاص منها حيث نزعم أن لله تعالى ندا ، وأنه قد تبين لنا أن ما كنا عليه باطل وما أنتم عليه حق. وقيل إنه جواب قسم وتقديره : والله لقد افترينا. (وَما يَكُونُ لَنا) وما يصح لنا. (أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا) خذلاننا وارتدادنا ، وفيه دليل على أن الكفر بمشيئة الله. وقيل أراد به حسم طمعهم في العود بالتعليق على ما لا يكون. (وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) أي أحاط علمه بكل شيء مما كان وما يكون منا ومنكم. (عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) في أن يثبتنا على الإيمان ويخلصنا من الأشرار. (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) احكم بيننا وبينهم ، والفتاح القاضي ، والفتاحة الحكومة. أو أظهر أمرنا حتى ينكشف ما بيننا وبينهم ويتميز المحق من المبطل من فتح المشكل إذا بينه. (وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) على المعنيين.
(وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٩٠) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ)(٩١)
(وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً) وتركتم دينكم. (إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) لاستبدالكم ضلالته بهداكم ، أو لفوات ما يحصل لكم بالبخس والتطفيف وهو ساد مسد جواب الشرط والقسم الموطأ باللام.
(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) الزلزلة وفي سورة «الحجر» (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) ولعلها كانت من مباديها. (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) أي في مدينتهم.
(الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (٩٢) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ)(٩٣)
(الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً) مبتدأ خبره (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا) أي استؤصلوا كأن لم يقيموا بها والمغني المنزل. (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ) دينا ودنيا لا الذين صدقوه واتبعوه كما زعموا ، فإنهم الرابحون في الدارين. وللتنبيه على هذا والمبالغة فيه كرر الموصول واستأنف بالجملتين وأتى بهما اسميتين.
(فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ) قاله تأسفا بهم لشدة حزنه عليهم ثم أنكر على نفسه فقال : (فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ) ليسوا أهل حزن لاستحقاقهم ما نزل عليهم بكفرهم ، أو قاله اعتذارا عن عدم شدة حزنه عليهم. والمعنى لقد بالغت في الإبلاغ والإنذار وبذلت وسعي في النصح والإشفاق فلم تصدقوا قولي ، فكيف آسى عليكم. وقرئ «فكيف أيسي» بإمالتين.
(وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (٩٤) ثُمَّ بَدَّلْنا