شجر وكل ما يعرش
من كرم أو سقف ، ولا في كل مكان منها وإنما سمي ما تبنيه لتتعسل فيه بيتا تشبيها
ببناء الإنسان ، لما فيه من حسن الصنعة وصحة القسمة التي لا يقوى عليها حذاق
المهندسين إلا بآلات وأنظار دقيقة ، ولعل ذكره لتنبيه على ذلك وقرئ بيوتا بكسر
الباء ، وقرأ ابن عامر وأبو بكر / يعرشون بضم الراء.
(ثُمَّ كُلِي مِنْ
كُلِّ الثَّمَراتِ) من كل ثمرة تشتهينها مرها وحلوها. (فَاسْلُكِي) ما أكلت. (سُبُلَ رَبِّكِ) في مسالكه التي يحيل فيها بقدرته النور المر عسلا من
أجوافك ، أو (فَاسْلُكِي) الطرق التي ألهمك في عمل العسل ، أو فاسلكي راجعة إلى
بيوتك (سُبُلَ رَبِّكِ) لا تتوعر عليك. ولا تلتبس. (ذُلُلاً) جمع ذلول وهي حال من السبل ، أي مذللة ذللها الله تعالى
وسهلها لك ، أو من الضمير في اسلكي أي وأنت ذلل منقادة لما أمرت به. (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها) كأنه عدل به عن خطاب النحل إلى خطاب الناس ، لأنه محل
الإنعام عليهم والمقصود من خلق النحل وإلهامه لأجلهم. (شَرابٌ) يعني العسل لأنه مما يشرب ، واحتج به من زعم أن النحل تأكل
الأزهار والأوراق العطرة فتستحيل في بطنها عسلا ، ثم تقيء ادخارا للشتاء ، ومن زعم
أنها تلتقط بأفواهها أجزاء طلية حلوة صغيرة متفرقة على الأوراق والأزهار ، وتضعها
في بيوتها ادخارا فإذا اجتمع في بيوتها شيء كثير منها كان العسل فسر البطون
بالأفواه. (مُخْتَلِفٌ
أَلْوانُهُ) أبيض وأصفر وأحمر وأسود بحسب اختلاف سن النحل والفصل. (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) إما بنفسه كما في الأمراض البلغمية ، أو مع غيره كما في
سائر الأمراض ، إذ قلما يكون معجون إلا والعسل جزء منه ، مع أن التنكير فيه مشعر
بالتبعيض ، ويجوز أن يكون للتعظيم. وعن قتادة أن رجلا جاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : إن أخي يشتكي بطنه فقال : «اسقه العسل» ، فذهب ثم
رجع فقال : قد سقيته فما نفع فقال : «اذهب واسقه عسلا فقد صدق الله وكذب بطن أخيك».
فسقاه فشفاه الله تعالى فبرأ فكأنما أنشط من عقال. وقيل الضمير للقرآن أو لما بين
الله من أحوال النحل. (إِنَّ فِي ذلِكَ
لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فإن من تدبر اختصاص النحل بتلك العلوم الدقيقة والأفعال
العجيبة حق التدبر علم قطعا أنه لا بد له من خالق قادر حكيم يلهمها ذلك ويحملها
عليه.
(وَاللهُ خَلَقَكُمْ
ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا
يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)(٧٠)
(وَاللهُ خَلَقَكُمْ
ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ) بآجال مختلفة. (وَمِنْكُمْ مَنْ
يُرَدُّ) يعاد. (إِلى أَرْذَلِ
الْعُمُرِ) أخسه يعني الهرم الذي يشابه الطفولية في نقصان القوة
والعقل. وقيل هو خمس وتسعون سنة وقيل خمس وسبعون. (لِكَيْ لا يَعْلَمَ
بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) ليصير إلى حالة شبيهة بحالة الطفولية في النسيان وسوء
الفهم. (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بمقادير أعماركم. (قَدِيرٌ) يميت الشاب النشيط ويبقي الهرم الفاني ، وفيه تنبيه على أن
تفاوت آجال الناس ليس إلا بتقدير قادر حكيم ، ركب أبنيتهم وعدّل أمزجتهم على قدر
معلوم ، ولو كان ذلك مقتضى الطبائع لم يبلغ التفاوت هذا المبلغ.
(وَاللهُ فَضَّلَ
بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي
رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ
اللهِ يَجْحَدُونَ)(٧١)
(وَاللهُ فَضَّلَ
بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) فمنكم غني ومنكم فقير ، ومنكم موال يتولون رزقهم ورزق
غيرهم ومنكم مماليك حالهم على خلاف ذلك. (فَمَا الَّذِينَ
فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ) بمعطي رزقهم. (عَلى ما مَلَكَتْ
أَيْمانُهُمْ) على مماليكهم فإن ما يردون عليهم رزقهم الذي جعله الله في
أيديهم. (فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ) فالموالي والمماليك سواء في أن الله رزقهم ، فالجملة لازمة
للجملة المنفية أو مقررة لها ، ويجوز أن تكون