(ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ) وهم كفاركم. (بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) بعبادة غيره ، هذا إذا كان الخطاب عاما ، فإن كان خاصا بالمشركين كان من للبيان كأنه قال : إذا فريق وهم أنتم ، ويجوز أن تكون من للتبعيض على أن يعتبر بعضهم كقوله تعالى : (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ).
(لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) من نعمة الكشف عنهم كأنهم قصدوا بشركهم كفران النعمة ، أو إنكار كونها من الله تعالى. (فَتَمَتَّعُوا) أمر تهديد. (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) أغلظ وعيده ، وقرئ فيمتعوا مبنيا للمفعول عطفا على (لِيَكْفُرُوا) ، وعلى هذا جاز أن تكون اللام لام الأمر الوارد للتهديد والفاء للجواب.
(وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (٥٦) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ)(٥٧)
(وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ) أي لآلهتهم التي لا علم لها لأنها جماد فيكون الضمير (لِما) ، أو التي لا يعلمونها فيعتقدون فيها جهالات مثل أنها تنفعهم وتشفع لهم على أن العائد إلى ما محذوف ، أو لجهلهم على أن ما مصدرية والمجعول له محذوف للعلم به. (نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ) من الزروع والأنعام. (تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ) من أنها آلهة حقيقة بالتقرب إليها وهو وعيد لهم عليه.
(وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ) كانت خزاعة وكنانة يقولون الملائكة بنات الله. (سُبْحانَهُ) تنزيه له من قولهم ، أو تعجب منه. (وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) يعني البنين ، ويجوز فيما يشتهون الرفع بالابتداء والنصب بالعطف على البنات على أن الجعل بمعنى الاختيار ، وهو وإن أفضى إلى أن يكون ضمير الفاعل والمفعول لشيء واحد لكنه لا يبعد تجويزه في المعطوف.
(وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ)(٥٩)
(وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى) أخبر بولادتها. (ظَلَّ وَجْهُهُ) صار أو دام النهار كله. (مُسْوَدًّا) من الكآبة والحياء من الناس. واسوداد الوجه كناية عن الاغتمام والتشوير. (وَهُوَ كَظِيمٌ) مملوء غيظا من المرأة.
(يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ) يستخفي منهم. (مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ). من سوء المبشر به عرفا. (أَيُمْسِكُهُ) محدثا نفسه متفكرا في أن يتركه. (عَلى هُونٍ) ذل (أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ) أي يخفيه فيه ويئده ، وتذكير الضمير للفظ (ما) وقرئ بالتأنيث فيهما. (أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) حيث يجعلون لمن تعالى عن الولد ما هذا محله عندهم.
(لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٦٠)
(لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ) صفة السوء وهي الحاجة إلى الولد المنادية بالموت واستبقاء الذكور استظهارا بهم وكراهة الإناث ووأدهن خشية الإملاق. (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) وهو الوجوب الذاتي والغنى المطلق والجود الفائق والنزاهة عن صفات المخلوقين. (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) المنفرد بكمال القدرة والحكمة.
(وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ)(٦١)