للتخصيص كأنه قيل : وبالنجم خصوصا هؤلاء خصوصا يهتدون ، فالاعتبار بذلك والشكر عليه ألزم لهم وأوجب عليهم.
(أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)(١٧)
(أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) إنكار بعد إقامة الدلائل المتكاثرة على كمال قدرته وتناهي حكمته ، والتفرد بخلق ما عدد من مبدعاته لأن يساويه ويستحق مشاركته ما لا يقدر على خلق شيء من ذلك بل على إيجاد شيء ما ، وكان حق الكلام أفمن لا يخلق كمن يخلق ، لكنه عكس تنبيها على أنهم بالإشراك بالله سبحانه وتعالى جعلوه من جنس المخلوقات العجزة شبيها بها ، والمراد بمن لا يخلق كل ما عبد من دون الله سبحانه وتعالى مغلبا فيه أولو العلم منهم أو الأصنام ، وأجروها مجرى أولي العلم لأنهم سموها آلهة ومن حق الإله أن يعلم ، أو للمشاكلة بينه وبين من يخلق أو للمبالغة وكأنه قيل : إن من يخلق ليس كمن لا يخلق من أولي العلم فكيف بما لا علم عنده ، (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) فتعرفوا فساد ذلك فإنه لجلائه كالحاصل للعقل الذي يحضر عنده بأدنى تذكر والتفات.
(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨) وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ)(١٩)
(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) لا تضبطوا عددها فضلا أن تطيقوا القيام بشكرها ، أتبع ذلك تعداد النعم وإلزام الحجة على تفرده باستحقاق العبادة تنبيها على أن وراء ما عدّد نعما لا تنحصر ، وأن حق عبادته تعالى غير مقدور. (إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ) حيث يتجاوز عن التقصير في أداء شكرها. (رَحِيمٌ) لا يقطعها لتفريطكم فيه ولا يعاجلكم بالعقوبة على كفرانها.
(وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) من عقائدكم وأعمالكم ، وهو وعيد وتزييف للشرك باعتبار العلم بعد تزييفه باعتبار القدرة.
(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)(٢١)
والّذين تدعون من دون الله أي والآلهة الذين تعبدونهم من دونه. وقرأ أبو بكر (يَدْعُونَ) بالياء. وقرأ حفص ثلاثتها بالياء. (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً) لما نفى المشاركة بين من يخلق ومن لا يخلق بين أنهم لا يخلقون شيئا لينتج أنهم لا يشاركونه ، ثم أكد ذلك بأن أثبت لهم صفات تنافي الألوهية فقال : (وَهُمْ يُخْلَقُونَ) لأنهم ذوات ممكنة مفتقرة الوجود إلى التخليق ، والإله ينبغي أن يكون واجب الوجود.
(أَمْواتٌ) هم أموات لا تعتريهم الحياة ، أو أموات حالا أو مآلا. (غَيْرُ أَحْياءٍ) بالذات ليتناول كل معبود ، والإله ينبغي أن يكون حيا بالذات لا يعتريه الممات. (وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) ولا يعلمون وقت بعثهم ، أو بعث عبدتهم فكيف يكون لهم وقت جزاء على عبادتهم ، والإله ينبغي أن يكون عالما بالغيوب مقدرا للثواب والعقاب ، وفيه تنبيه على أن البعث من توابع التكليف.
(إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٢٢) لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) (٢٣)
(إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) تكرير للمدعى بعد إقامة الحجج. (فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ