(لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ) استئناف أو حال بعد حال ، أو حال من الضمير في متقابلين. (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) فإن تمام النعمة بالخلود.
(نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (٥٠) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) (٥١)
(نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) فذلكة ما سبق من الوعد والوعيد وتقرير له ، وفي ذكر المغفرة دليل على أنه لم يرد بالمتقين من يتقي الذنوب بأسرها كبيرها وصغيرها ، وفي توصيف ذاته بالغفران والرحمة دون التعذيب ترجيح الوعد وتأكيده وفي عطف (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) على (نَبِّئْ عِبادِي) تحقيق لهما بما يعتبرون به.
(إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (٥٢) قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ)(٥٣)
(إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً) أي نسلم عليك سلاما أو سلمنا سلاما. (قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ) خائفون وذلك لأنهم دخلوا بغير إذن وبغير وقت ، ولأنهم امتنعوا من الأكل والوجل اضطراب النفس لتوقع ما تكره.
(قالُوا لا تَوْجَلْ) وقرئ «لا تأجل» من أوجله «ولا تواجل» من واجله بمعنى أوجله. (إِنَّا نُبَشِّرُكَ) استئناف في معنى التعليل للنهي عن الوجل ، فإن المبشر لا يخاف منه. وقرأ حمزة نبشرك بفتح النون والتخفيف من البشر. (بِغُلامٍ) هو إسحاق عليهالسلام لقوله : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ). (عَلِيمٍ) إذا بلغ.
(قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (٥٤) قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (٥٥) قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ) (٥٦)
(قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ) تعجب من أن يولد له مع مس الكبر إياه ، أو إنكار لأن يبشر به في مثل هذه الحالة وكذا قوله : (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) أي فبأي أعجوبة تبشرون ، أو فبأي شيء تبشرون فإن البشارة بما لا يتصور وقوعه عادة بشارة بغير شيء ، وقرأ ابن كثير بكسر النون مشددة في كل القرآن على إدغام نون الجمع في نون الوقاية وكسرها وقرأ نافع بكسرها مخففة على حذف نون الجمع استثقالا لاجتماع المثلين ودلالة بإبقاء نون الوقاية وكسرها على الياء. (قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِ) بما يكون لا محالة ، أو باليقين الذي لا لبس فيه أو بطريقة هي حق وهو قول الله تعالى وأمره. (فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ) من الآيسين من ذلك فإنه تعالى قادر على أن يخلق بشرا من غير أبوين فكيف من شيخ فان وعجوز عاقر ، وكان استعجاب إبراهيم عليهالسلام باعتبار العادة دون القدرة ولذلك :
(قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) المخطئون طريق المعرفة فلا يعرفون سعة رحمة الله تعالى وكمال علمه وقدرته كما قال تعالى : (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) وقرأ أبو عمرو والكسائي (يَقْنَطُ) بالكسر ، وقرئ بالضم وماضيهما قنط بالفتح.
(قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ)(٥٨)
(قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) أي فما شأنكم الذي أرسلتم لأجله سوى البشارة ، ولعله علم أن كمال المقصود ليس البشارة لأنهم كانوا عددا والبشارة لا تحتاج إلى العدد ، ولذلك اكتفى بالواحد في بشارة زكريا ومريم عليهماالسلام ، أو لأنهم بشروه في تضاعيف الحال لإزالة الوجل ولو كانت تمام المقصود لابتدؤوا بها.