(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ) من طين يابس يصلصل أي يصوت إذا نقر. وقيل هو من صلصل إذا أنتن تضعيف صل. (مِنْ حَمَإٍ) طين تغير واسودّ من طول مجاورة الماء ، وهو صفة صلصال أي كائن (مِنْ حَمَإٍ). (مَسْنُونٍ) مصور من سنة الوجه ، أو منصوب لييبس ويتصور كالجواهر المذابة تصب في القوالب ، من السن وهو الصب كأنه أفرغ الحمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف ، فيبس حتى إذا نقر صلصل ، ثم غير ذلك طورا بعد طور حتى سواه ونفخ فيه من روحه ، أو منتن من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به ، فإن ما يسيل بينهما يكون منتنا ويسمى السنين.
(وَالْجَانَ) أبا الجن. وقيل إبليس ويجوز أن يراد به الجنس كما هو الظاهر من الإنسان ، لأن تشعب الجنس لما كان من شخص واحد خلق من مادة واحدة كأن الجنس بأسره مخلوقا منها وانتصابه بفعل يفسره. (خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) من قبل خلق الإنسان. (مِنْ نارِ السَّمُومِ) من نار الحر الشديد النافذ في المسام ، ولا يمتنع خلق الحياة في الأجرام البسيطة كما لا يمتنع خلقها في الجواهر المجردة ، فضلا عن الأجساد المؤلفة التي الغالب فيها الجزء الناري ، فإنها أقبل لها من التي الغالب فيها الجزء الأرضي ، وقوله : (مِنْ نارِ) باعتبار الغالب كقوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) ومساق الآية كما هو للدلالة على كمال قدرة الله تعالى وبيان بدء خلق الثقلين فهو للتنبيه على المقدمة الثانية التي يتوقف عليها إمكان الحشر ، وهو قبول المواد للجمع والإحياء.
(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ)(٢٩)
(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ) واذكر وقت قوله : (لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ). (فَإِذا سَوَّيْتُهُ) عدلت خلقته وهيأته لنفخ الروح فيه. (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) حتى جرى آثاره في تجاويف أعضائه فحيي ، وأصل النفخ إجراء الريح في تجويف جسم آخر ، ولما كان الروح يتعلق أولا بالبخار اللطيف المنبعث من القلب وتفيض عليه الحيوانية فيسري حاملا لها في تجاويف الشرايين إلى أعماق البدن ، جعل تعلقه بالبدن نفخا وإضافة الروح إلى نفسه لما مر في «النساء». (فَقَعُوا لَهُ) فاسقطوا له. (ساجِدِينَ) أمر من وقع يقع.
(فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ)(٣١)
(فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) أكد بتأكيدين للمبالغة في التعميم ومنع التخصيص ، وقيل أكد بالكل للإحاطة وبأجمعين للدلالة على أنهم سجدوا مجتمعين دفعة ، وفيه نظر إذ لو كان الأمر كذلك كان الثاني حالا لا تأكيدا.
(إِلَّا إِبْلِيسَ) إن جعل منقطعا اتصل به قوله : (أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) أي ولكن إبليس أبى وإن جعل متصلا كان استئنافا على أنه جواب سائل قال هلا سجد.
(قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢) قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ)(٣٣)
(قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ) أي غرض لك في أن لا تكون. (مَعَ السَّاجِدِينَ) لآدم.
(قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ) اللام لتأكيد النفي أي لا يصح مني وينافي حالي أن أسجد. (لِبَشَرٍ) جسماني كثيف وأنا ملك روحاني. (خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) وهو أخس العناصر وخلقتني من نار وهي أشرفها ، استنقص آدم عليهالسلام باعتبار النوع والأصل وقد سبق الجواب عنه في سورة «الأعراف».